شبكة الراهن الاخبارية

المتحكمون في عقولنا

كتب: محمد عباس الباشا.

القاسم المشترك الأكثر وضوحا بين الطبقات الحاكمة، هو السعي الحثيث تجاه تحويل الشعوب لتبني قيم تلك الطبقات و الدفاع عنها، و ذلك بإيجاد مصلحة واحدة مشتركة بين الطبقات ذات المصالح المتباينة، و التركيز عليها بالطرق الشديد المتنوع المصادر، كأن تصنع الطبقة الحاكمة عدوا واحدا لكل الجماهير، و تجتهد الآلة الإعلامية في شيطنته، و إثارة الناس ضده، أو أن تضخم تلك الطبقة هدفا معينا – قد يكون وهميا، أو أقل من حجمه المعلن – و تعكف الآلة الإعلامية على إغراق تصورات الناس له بالوعود البراقة، و بذلك تنجح تلك الطبقة في التعمية على تناقض المصالح بين طبقات المجتمع، و التمكن من توحيد الوعي العام و توجيهه تجاه قضية معينة مصنوعة أو مزيفة.
تكون مقايضة الحاجيات الأساسية مقابل القبول بإجراءات الطبقات الحاكمة سمة مميزة للكثير من الأنظمة، و لهذا تستعد الآلة الإعلامية القوية في المجتمعات مبكرا للدفاع عن إجراءات معينة بحياكة التبريرات التي يتقبلها الجمهور سعيدا!، كالتجاوز في الحقوق المدنية للفرد مقابل تحقيق الأمن للمجتمع على سبيل المثال، أو زيادة فاتورة الكهرباء مقابل توفيرها، و هي معادلات تنجح دائما في تمرير الإجراءات الحكومية بسبب مفاضلة الجمهور بين التنازل عن البعض للحفاظ عن البعض، أما العامل الأساسي الذي يقود (المؤامرة) للنجاح هو الآلة الإعلامية المنظمة، و التي يكون دورها هو تأسيس الخوف في الجمهور.
يتضح لنا أن عملية (التلاعب بالوعي الجمعي) عملية مدبرة – كما هو شأن الرسالة الإعلامية بشكل عام أو ما ينبغي أن تكون عليه – إذ يلعب الإعلام دورا محوريا و خطيرا حيال كل شيء في المجتمع، فعن طريق الآلة الإعلامية المنظمة تتم إدارة الرأي العام إدارة كاملة، عن طريق توجيهه، أو إثارة انتباهه، أو خلقه، أو تنميته، أو إثارته، وكل عملية من تلك العمليات تتسم بالتعقيد، و تتطلب قدرا من التخصص و القدرة على التأثير، و لكل هدف من تلك الأهداف أداوته الناجحه، و التي سنفصل فيها بإسهاب في مساحة أخرى، غير أنه يتوجب علينا إدراك أن هذه التشكيلة من عمليات إدارة الرأي العام ترتكز على جوهر أساسي هو (لفت الانتباه إلى)، و بالتالي (تحويل الانتباه عن)، و تعتمد الآلة الإعلامية في ذلك على الطرق المستمر و التكرار، الذي يفضي إلى تبني الجمهور لقضايا كثيرة لا علاقة لها بقضاياه الأساسية، و تغيير الاتجاه السائد فيه، و توحيده في وجهة محددة يختارها مدبر الرسالة الإعلامية، ليحقق تأييد الجمهور لقضيته، و صرف ذلك الجمهور عن قضية محددة قد تكون من أهم قضاياه، و ذلك بالضبط ما يبرهن على نجاح إدارة الرأي العام حيال أمر معين.
كثيرا ما تعمل الآلة الإعلامية المنظمة على إخفاء الحقائق، و لا يحدث ذلك بعدم نشرها لتلك الحقائق كليا كما يعتقد البعض، إنما بتوجيه عاطفة الجمهور في الاتجاه المطلوب من خلال تقديم الأحداث من الزوايا التي تجعل الجمهور يلقي يجرم الضحية، و يجعل من الجاني الحقيقي بطلا، فعندما تنشر وسائل الإعلام -مثلا- خبرا عن تعرض جمهور من الناس لحادث سير، يعزى ذلك الحادث للسرعة الزائدة في قيادة المركبة -و ذلك قد يكون بعضا من الحقيقة- و لكن لا يذكر لك في الأخبار أن وعورة الطريق، هي الأخرى من أسباب الحادث، و أن الطريق لم تتم صيانته و مراجعة إجراءات السلامة فيه منذ هذا العدد من السنين!.
إن القدرة الهائلة للآلة الإعلامية على إخفاء الحقائق، مهدت لأحداث كبيرة في العالم، و لازمتها، بل و صاغت فصولا من تاريخها، حيث لم يكن الغزو الأجنبي للشعوب الأخرى -قديما و حديثا- يسوق له بأنه غزو، و أنه استعمار، و نهب للموارد، بل هو عمل لازم لإشاعة الحضارة، و التقدم، و جلب الحرية و التطور!.
من العمليات النفسية المعقدة التي تطلع بها الآلة الإعلامية المنظمة، عملية “إدارة الغضب الشعبي”، و الذي يكون في أغلب الأحيان مدمرا لمصالح الطبقات الحاكمة، و لهذا يعمل مدبرو الرسالة على تحويل طاقة الغضب الشعبي إلى مصلحة الطبقة الحاكمة، أو تذويبها بالسرعة المناسبة، و لها في ذلك من الأدوات الكثير، مثل التخويف، و التخوين، و الإيهام، و غيرها.
إننا جميعا بحاجة إلى إعادة النظر في قدرات الإعلام الجماهيري، حتى يتم جمع شتات قواه و تسخيره لبناء مجتمعات واعية و قوية، قادرة على أن تؤكد على نفسها بين الأمم.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.