كتب: محمد عباس الباشا
تقول صحيفة (نيوز جارد) في تقرير لها بأن “حجم نشر الأخبار الكاذبة قد ازداد منذ مايو ٢٠٢٣ بنسبة ١٠٠٠%، بسبب أن بعض تقنيات الذكاء الاصطناعي باتت تعمل على سبك الأخبار المزيفة”.
يقدم لنا فضاء الإنترنت مزيجا هائلا من الأخبار و المعلومات التي تصل إلى هواتفنا على مدار ساعات اليوم في تدفق مستمر مرتبط باتجاهات بحثنا السابقة على المتصفحات لدينا.
هذا الكم الكبير من المعلومات و الأخبار لا يقوم بتحريره ونشره الصحفيون فقط، إنما يمكن أن يقوم بتلك العملية كل من بيده جهاز متصل بشبكة الإنترنت، و هذا ما يجعل متصفحي الإنترنت في غمرة الكثير من الأخبار التي قد تبدو صحيحة من أول وهلة، لكنها في الأصل أخبار مضللة عمد حابكوها على نشرها لتحقيق أهداف خاصة.
تدخل تحت مظلة الأخبار الغير صحيحة عدة اسماء، كالأخبار المزيفة، أو الأخبار المختلقة، أو الأخبار المخادعة، و جميع تلك الاسماء تشير إلى الخبر الذي لا يعبر عن حقيقة في الواقع أو عن كل الحقيقة الماثلة، و ينتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ليصل إلى قمة إضراره بالمجتمع عندما تبدأ وسائل الإعلام كالإذاعة و التلفاز و الصحافة في تناوله باعتباره خبرا صحيحا، حيث تكتسب تلك الأخبار المختلقة قوة إضافية على حساب مصداقية وسيلة الإعلام التي تعيد نشرها.
لقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فعال في أن تكون ماعونا واسعا لنقل الأخبار المزيفة أو الكاذبة، وذلك رغما عن الإجراءات التي تتبعها الشركات المالكة لوسائل التواصل الاجتماعي بشأن دفع المستخدمين ناحية تحمل مسؤولياتهم الشخصية حيال ما ينشرون، و رغما عن وجود القوانين المنظمة لعملية النشر في غالبية الدول.
يراهن مروجو الأخبار الكاذبة على ضعف وعي الكثيرين من مستخدمي الإنترنت تجاه تلقي الأخبار، و يتوقعون في غالب الأحوال تصديق تلك الأخبار و التسليم بها، بل و إعادة نشرها، خاصة إن كانت تلك الأخبار تحمل أملا للجمهور، أو تتفق مع تطلعاته، أو جاءت في خضم أحداث عاصفة أو مهمة بالنسبة للمجتمع، حيث تكون أحداث سابقة قد مهدت المسرح لظهور الأخبار الكاذبة أمام جمهور معين.
يهدف مروجو الأخبار الكاذبة و ناسجو الإشاعات الزاحفة في الغالب إلى تضليل الرأي العام، و التشويش على رؤيته لقضية معينة أو حدث ماثل، الأمر الذي يؤدي إلى التلاعب في اتجاهات الرأي العام و لو لفترة قصيرة و مؤقتة، يتمكن عبرها ناسجو الإشاعة من تحقيق مراميهم.
بمراجعة بسيطة لحركة المرور على شبكة الإنترنت، ندرك أن النسبة الأكبر من الأخبار المزيفة تنشر بغرض تحقيق المكاسب المالية أو السياسية، و تتمظهر في عناوين محشودة بالإثارة، و لا تعبر عن الواقع في أغلب الأحيان، كما أنها تبدو في صورة تقديم المحتوى المضلل، و صورة مزج المعلومات الصحيحة بتلك الزائفة، تساعد في ذلك سهولة تزييف أو توليد الصور و مقاطع الفيديو.
يقدم المختصون عددا من الوصفات التي تساعد الفرد المتلقي على التفريق بين الأخبار الصحيحة و تلك المزيفة، و أول تلك الوصفات هو فحص مصدر الخبر لتحديد ما إذا كان معروفا بتقديم أخبار ذات مصداقية عاليةفي السابق، أو محسوبا على تيار سياسي معين، أو أنه وكالة مستقلة و موثوقة، و هي أمور لها تأثيرها على جودة الأخبار التي نتلقاها من المصادر المختلفة، إذ يتميز منتجو الأخبار في الوكالات التي تعتمد على خبرة طويلة و سمعة مشرقة باليقظة و الحرص المهني الكافي الذي يمنع تسرب تلك الشائعات عبر وكالاتهم، كما أن المهنيين في تلك الوكالات يعلمون جيدا السياسة التحريرية التي تنتهجها مؤسساتهم، و يعملون على حذوها بكل صرامة، هذا يضاف إلى كفائتهم المفترضة، و قدراتهم الذاتية، التي تمنح المؤسسة صورتها الذهنية الجيدة لدى المتلقي.
يوصى كذلك للحكم على مصداقية الخبر بتحليل العنوان الرئيس للخبر، فكلما كان التناول مهنيا منضبطا كان الخبر أقرب للصحة، ذلك لكون الأخبار المزيفة و الكاذبة تعكس عناوينها في الغالب مشاعر من ألفوها، و هذا ما ينافي مبدأ أن “الخبر نص جامد”، حيث يمكن مهنيا تصميم الخبر لشحذ مشاعر بعينها، لا أن ينضح الخبر نفسه بالمشاعر كالأفراح و الأحزان و التندر.
إن نشر خبر ما بالتزامن عبر عدة وسائل إعلام لا يعني بالضرورة صحة ذلك الخبر مالم تكن تلك الوسائل تتمتع بالقدر الكافي من الموثوقية التي اكتسبتها عبر سمعة رنانة في مجال تغطية الأحداث على مدى زمني معتبر، و لهذا يمكن للمتلقي الحكم بصحة الخبر حال تم نشره أو بثه على وسائل إعلام مختلفة تتمتع بالموثوقية.
عملية إنتاج الأخبار من العمليات المعقدة، إذ يعكف عليها مختصون في وسائل الإعلام الرئيسة، و هم يدركون أهمية ما يقومون به من عمل يجب أن يتفق مع سياسة مؤسساتهم الإعلامية، وقيم الصحافة و أخلاقها، و لهذا يأتي نتاج عملهم مضبوط المحتوى، زاهيا برداء المصداقية، و ليس بريئا في كل الأحيان.