يعتقد البعض أن الجزء الأكبر من المأساة ينتهي بانتهاء الحروب، و التوقف عن تبادل النيران، غير أن أكبر مآسي الحرب تمتد إلى ما بعد ذلك بسنوات طويلة، حتى تعيي من يداويها، و تشوه ملامح المجتمع بأكمله ردحا من الزمان.
يقول المختصون بأن أهون خسائر الحرب هي تلك التي يمكن إصلاحها من مبان و أعيان و مشاريع، و أقسى خسائر الحرب هي تلك المرتبطة بنفوس من خاضوا أهوالها، أو علقوا بين المتقاتلين فيها.
يحصي المختصون عددا من النتائج الكارثية التي تقود إليها الضغوط النفسية الناتجة عن الحرب، مثل تفكك العائلات، و إهمال تربية الأطفال، و اشتعال المشاكل الزوجية لأتفه الاسباب، و ارتفاع نسب الطلاق، و بهذا ندرك أن الضغوط النفسية الناتجة عن الحروب تضرب أول ما تضرب بنيان الأسرة، التي تعتمد عليها المجتمعات في ضمان السلامة الاجتماعية و إنبات أفراد صالحين.
يؤكد المختصون النفسيون أن أكثر الشرائح تأثرا بالحروب هي شريحة الأطفال، فهم لحساسيتهم تترك الحرب في نفوسهم وسوما عميقة، أما أولئك الذين فقدوا آبائهم و أمهاتهم و إخوتهم في الحرب، أو تعرضوا للاستغلال فجراحهم أعمق بكثير، و لكي نستبين أثر الحرب على الأطفال علينا أن ننظر إلى المشاكل النفسية التي تسببها لهم، و التي تتمشهد في الشعور الدائم بالقلق و الاكتئاب، بجانب تأخر النمو العقلي و البدني، و الانعزال الذي يتسبب فيه العجز عن بناء روابط مع الآخرين، بجانب الاضطرابات السلوكية و ردود الأفعال العدائية.
أما البالغين فتتكالب عليهم الضغوط في زمن الحرب أضعافا، مما يؤثر سلبا على صحتهم النفسية، فهم المسؤولون عن حماية عائلاتهم، و توفير الأمن الغذائي لها، و رعايتها، في ظل واقع قاتم من الفقر و الندرة في السلع و الخدمات يفرضه واقع الحرب المرير.
يوصى دائما بإدارة الحالة النفسية للأطفال و الكبار في زمن الحرب على نحو يبث الطمأنينة، و يبين أن حالة الحرب حالة استثنائية و مؤقتة، و أن الحياة لن تتوقف بعد الآن، كما يوصى بتقديم دعم نفسي من جانب المختصين للمجتمعات أثناء و بعد الحرب.
ما تفعله الحرب، يجعل منها أمرا أكبر من أن يقرره السياسيون وحدهم.
المزيد من المشاركات