نزار عبدالله بشير.
تُشكِّل التغيرات المناخية العالمية تَحدِياً يواجه الدول والأفراد ويُهدد الأمن الغذائي العالمي؛ حيث أظهر تقريرٌ جديد صادر عم المنظمة العالمية للأرصاد الجوية تحطماً جديداً للأرقام القياسية فيما يخص مستويات غازات الإحتباس الحراري ودرجات حرارة سطح الأرض وإرتفاع مستوى سطح البحر، وبيّن التقرير أن العام المنصرم 2023 كان الأكثر دفئاً منذ بدء التسجيل حيث بلغ المتوسط العالمي لدرجة الحرارة (1.45) درجة مئوية وهو ما وصفته المنظمة بأنه ” فوق المتوسطات المناخية في فترة ما قبل الثورة الصناعية “ .
يتأثر السودان بالآثار السالبة للتغيرات المناخية والتي تظهر في شكل كوارث طبيعية كالسيول والفيضانات وإرتفاع درجات الحرارة مما ويهدد أمنه الغذائي المحلي والبيئة؛ تشير التقديرات الأولية لوزارة الزراعة بأن الإستهلاك الكُلي للحبوب في العام 2024 يُقدر بنحو (7.3 مليون طن) حيث بلغ متوسط الإستهلاك السنوي للفرد من الحبوب (152 كجم) بينما بلغت متطلبات واردات الحبوب للعام 2024 حوالي (3.4 مليون طن) منها (2.2 مليون طن) من القمح و (661.0 ألف طن) من الذرة.
تُؤثر التغيرات المناخية على القطاع الزراعي والأمن الغذائي في السودان تأثير مباشراً، بيد أن هناك عوامل غير مناخية تساهم في زيادة التأثير السالب على الزراعة والأمن الغذائي؛ كالمدخلات الزراعية والأيدي العاملة والتقانة والرقعة الزراعية وغيرها..
يضاف هذا إلى أثر الصراع المسلح الدائر الآن في البلاد منذ عام ونيف تقريباً على الزراعة والمزارعين الأمر الذي يشكِّل تهديداً على الأمن الغذائي للبلاد على المدى الطويل والقصير.
شهد السودان فيضانات متتالية خلال الأعوام (2020-2022-2023) وقبلها من الأعوام أثرت على القطاع الزراعي في السودان وعلى الأراضي الصالحة للزراعة، فوفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أثرت الفيضانات التي شهدها السودان على ثلث الأراضي المزروعة وقد قدرت الفاو أن الفيضانات في العام (2020) فقط قد غمرت حوالي (2.2 مليون) هكتار من الأراضي المزروعة وتسببت في فقدان (108 آلاف) رأس من الماشية وأدت إلى تلف نحو مليون ومائة ألف من الحبوب في مناطق معظمها مزروعة بالذرة الرفيعة التي تعتبر غذاء أساسي في السودان، وقد قدرت الأمم المتحدة أن (9.6 مليون) شخص يواجهون حالة إنعدام حادا للأمن الغذائي في العام 2020 وهو أعلى رقم مسجل في ذلك .
ذكرت منظمة الأغذية والزراعة العالمية (فاو) في تقريرها الصادر في العام 2024 أن موجات الجفاف تعد أهم أنواع المخاطر التي سببت أضراراً في الزراعة خلال الفترة من 2006 إلى 2022، وأشارت إلى أن تلك الموجات شكلت أكثر من 80% من الخسائر المقدرة في الزراعة في العام 2017.
تأثير الجفاف وإرتفاع ملوحة التربة في السودان يعد من التحديات الهامة التي تواجه قطاع الزراعة؛ حيث يعتمد هذا القطاع بشكل كبير على المياه، ويؤدي الجفاف إلى نقص التوافر المائي؛ الذي بدوره يؤثر بشكل كبير على الإنتاجية الزراعية.
كما تشكل ملوحة التربة إحدى التحديات التي تواجه القطاع الزراعي وتؤثر على الإنبات وتقلل من إمكانية زراعة المحاصيل بكفاءة.
أبدت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية قلقها بشأن الإرتفاع غير المسبوق لدرجات الحرارة الذي يشهده العالم نتيجة التغيرات المناخية، وأشار التقرير الصادر في العام 2023 إلى أن تغير المناخ ينطوي على ما هو أكثر بكثير من إرتفاع درجات الحرارة خاصة مع دفء المحيطات غير المسبوق وتقلص مساحات الأنهار الجليدية.
أيضاً تناول التقرير الأزمة الذي يمكن أن يسببها التغير المناخي وإرتفاع درجات الحرارة مع تزايد إنعدام الأمن الغذائي ونزوح السكان وفقدان التنوع الإحيائي.
ظلت ولاية القضارف تسجل أعلى درجات الحرارة لمدة شهر كامل وهي الأعلى خلال هذا العام في السودان وفقاً لبيانات الهيئة السودانية للأرصاد الجوية والتوقعات اليومية الصادرة منها.
تضم ولاية القضارف أكبر رقعة زراعية هي الولاية الزراعية الأولى في السودان، وبها صومعة المحاصيل التي تبلغ سعنتها التخزينية (100 ألف) طن وتعد هي الأكبر في إفريقيا.
إن إرتفاع درجات الحرارة غير المسبوق وتصدر ولاية القضارف لمؤشر الحرارة يمكن أن يسهم في نقص الإنتاج المحلي من المحاصيل الزراعية، بسبب تقليل فترات نمو المحاصيل، كما يمكن أن يساهم في زيادة تكاثر الأفات خاصة الجراد الصحراوي ويزيد من صعوبة السيطرة عليها.
ذكرت منظمة الأمم المتحدة للزراعة والأغذية العالمية في تقريرها الذي صدر في هذا العام 2024 تحت عنوان ( أثر الكوارث على الزراعة والأمن الغذائي) قالت فيه:
إن الكوارث يمكن أن تتسبب في تدمير البني التحتية وإزدياد الفقر
وأن النزاعات المسلحة تحد من الوصول إلى الأراضي الزراعية، وتتسب في حركات نزوح السكان.
في السودان تسببت الحرب الدائرة في البلاد من أبريل من العام المنصرم 2023 في نزوح ” أكثر من 8.8 مليون شخص من مساكنهم منذ منتصف أبريل 2023. “ وفقاً لبيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشوؤن الإنسانية، الذي قال إنه
” لا يزال الحصول على الغذاء يمثل الحاجة ذات الأولوية للنازحين، تليها خدمات الرعاية الصحية والمياه والمرافق الصحية، لا سيما في أنحاء منطقتي دارفور وكردفان“
وبسبب الحرب الحالية خرجت الكثير من الولايات من الموسم الزراعي الماضي، منها ولايات دارفور الخمسة التي تشهد معارك دامية وجزء من ولايات كردفان وولاية الخرطوم، كما أدى إمتداد الصراع إلى ولاية الجزيرة في خواتيم العام المنصرم إلى تهجير المزارعين عن أراضيهم وتعطيل العمل في جزء كبير من مشروع الجزيرة الأمر الذي سيؤثر مستقبلاً على الإنتاج الكلي للمحاصيل وبالتالي يؤدي إلى تدهور حالة الأمن الغذائي.
قَدرت وزارة الزراعة في آخر تقرير لها أن جملة الإحتياجات من الحبوب الغذائية هذا العام بلغت (3.376.046) طن وأوصت بمراجعة السياسات الوطنية والدعم الفني لإنتاج القمح، كما أوصت بمراقبة حالة الأمن الغذائي عن كثب وضرورة إيصال المساعدات الغذائية إلي الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع .