بقلم: نزار عبد الله بشير.
يهدد التدهور البيئي في السودان منظمومة الحياة بأكملها؛ إذ تواجه البلاد مخاطر بيئية جمَّة منذ إندلاع الصراع في البلاد في الخامس عشر من أبريل في العام 2023 وحتى اليوم، وتمتد رقعة الحرب في مناطق مختلفة بعد أن كانت في ولاية واحدة وتتزايد معها المخاطر البيئية التي تهدد حياة الإنسان والحيوان. والأمم المتحدة والعالم أجمع يحتفل باليوم العالمي للبيئة في الخامس من يونيو للعام 2024 تحت شعار (أرضنا مستقبلنا) التي دعت فيها الحكومات والمنظمات الأطراف إلى الوفاء بإلتزاماتها لإستعادة الأرض التي نعتمد عليها.
- خسائر بيئية غير مسبوقة:
أفرج السودان في خطابه الأخير أمام الاجتماع السادس لجمعية الامم المتحدة للبيئة عن الخسائر البيئية التي تسبب بها الحرب وقال المتحدث بإسم حكومة السودان: إن الأضرار لحقت بأهم مناطق التنوع الحيوي في البلاد، حيث تعرضت محمية غابة السنط النادرة لأضرار مادية بالغة، هذه المحمية التي تضم قرابة (مائتين وخمسين) نوع من الطيور المقيمة والمهاجرة بالإضافة إلى الثديات والزواحف النادرة كما تحوي عشائر نباتية عديدة إلى جانب ذلك تضم مستجمعات المياه التي شكلت نموذج فريد من التنوع الحيوي مما أكسبها أهميتها العلمية.
وعَدَّد الخطاب الخسائر البيئة التي تعرضت لها خلال هذه الحرب ومنها، تدمير حديقة النباتات الوطنية السودانية، والتي تُعد أهم وأقدم حديقة للموارد الجينية في قارة إفريقيا والتي تجاوز عمرها أكثر من مائة عام، كما تم تدمير متحف السودان الطبيعي الذي يحوي مجموعات متنوعة من الطيور والزواحف والحياة البحرية و النهرية، حيث تمثل هذه المجموعات كافة النظم البيئية التي يزخر بها السودان، تعرض مركز الموارد الجنينة للمحاصيل الزراعية بمدينة ودمدني للتخريب.
وأشار الخطاب إلى إنتقال الملوثات الثقيلة مثل الرصاص إلى مياه الأنها. وموارده الحية جراء تدمير الجسور خلال هذه الحرب، وتدمير المعمل المركزي الذي يضم المعامل الحيوية والكيمائية وما يمكن أن يترتب عليه من آثار كارثية متنوعة.
ليست هذه الخسائر الوحيدة ولكن هناك خسائر بيئية آخرى أشار إليها الخطاب كإنهيار المناطق الصناعية وتدميرها بالكامل ومستودعات النفط؛ مما أدى تلوث الجو بالمواد الكيمائية الضارة فضلاً إلى التلوث الناتج عن الذخائر والآليات العسكرية.
- تحديات بيئية كبيرة:
قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية فرَّ أكثر من 8.8 مليون شخص من مساكنهم منذ منتصف أبريل 2023.
يواجهون تحديات بيئية كبيرة في معسكرا نزوحهم؛ ولا يزال الحصول على الغذاء يمثل الحاجة ذات الأولوية للنازحين، تليها خدمات الرعاية الصحية والمياه والمرافق الصحية، لا سيما في أنحاء منطقتي دارفور وكردفان.
وأضافت الأمم المتحدة أنه منذ 15 أبريل 2023، سجل مشروع بيانات أحداث ومواقع النزاعات المسلحة 15,550 حالة وفاة في السودان، وأكثر من 1,400 حادث عنف استهدف المدنيين في جميع أنحاء البلاد منذ بدء الحرب.
بينما يعاني المواطنين المقيمين في مناطق الصراع النشطة من صعوبة الحصول علي النقي الصالح للشرب بسبب تدمير محطات المياه وتلوث الآخرى، أيضاً تداخل مياه الصرف الصحي مع بقية منظومات المياه.
تقول سماح فتح الله التي تسكن بمحلية كرري بمدينة أمدرمان بأن أثر التغيّر البيئي ظهر على الحيوانات حيث تشردت وماتت وأكل بعضها الجثث وأصيب بداء السَعَر، كما تصف بأن المياه قد أصبحت ملوثة وغير صالحةللشرب بسبب عدم توفر مواد التنقية؛ وعانت هي على إثر ذلك الإصابة بجرثومة المعدة وكثير من السُكان عانوا مثلها، وتصف بأن الحرائق الناتجة عن المعارك والإشتباكات المسلحة تسبب في عدد من الأمراض الجلدية للمواطنين.
وتشير سماح إلى أثر التدهور البيئي بحرائق الأشجار والحيوانات النافقة في الشوارع؛ حيث تغيّرت معالم الأحياء جراء المعارك التي شهدتها العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث، و أن الحيوانات قد تغيّر سلوكها بسبب أكل لحوم البشر.
جهود حكومية ولكن.. !!
في أغسطس من العام 2023 حذرت اللجنة المركزية لضباط الصحة في السودان من مخاطر بيئية ناتجة عن تحلل الجثث في الشوارع جراء الحرب وإنعاكاسته علي الصحة؛ وذلك بعد إفادة شهود عيان بتحلل بعض الجثث في مواقعها مما قد يؤدي إلى كارثة بيئية تهدد حياة الجميع.
من جانبه يعتقد الإعلامي محمود السماني أن الحرب في السودان خلفت أثار واضحة على البيئة تظهر في مخلفات المعارك، وأعمدة الدخان متواصلة الإنبعاث، ويرى أن التأثير البيئي الأكبر للحرب إقتصر فقط على مناطق النزاع، ويتوقع أن يكون التأثير على الغلاف الجوي في حال إستمرار الحرب لفترة أطول، وتبرز ملاحظته في ذبول الأشجار لفترة طويلة بسبب إنعدام المياه، ويذكر السماني أن هناك عدد من المواطنين قد فارقو الحياة جراء المضاعفات التي أصابتهم بسبب مخلفات المعارك من غبار ودخان وأتربة مما تسبب لهم بأمراض أودت بحياتهم وآخرون من أصحاب الأمراض المزمنة تسببت في مضاعة معاناتهم.
وينقل محمود مشاهداته للحرب الحالية وأثرها على البيئة، بأنها دمرت البنى التحتية وأدت إلى تلوث سمعي جراء الأصوات المرتفعة للمدافع والقاذفات الحربية، وإنتشار للجثث في عدد من الشوارع الداخلية للأحياء، كما نوه لخطورة تحلل الجثث وأثرها على البيئة ومياه الشرب.
حاولت ولاية الخرطوم وعن طريق مفوضية العون الإنسان دفن الجثث المتواجدة بالشوارع الرئيسية وبعض الأزقة الداخلية للشوارع بمساعدة بعض المنظمات المحلية والدولية، وكانت مفوضية العون الإنساني بولاية الخرطوم قد كشفت عن وجود عدد كبير من الجثث التي تحللت في الطرقات والمنازل في أحياء أمدرمان؛ حيث قررت الحكومة إكرامها بدفنها وذلك بعد تجميعها بطريقة علمية وفنية محددة، إلا أن هذه الخطوة لا تزيل من خطر التدهور البيئي القادم كونها أقيمت في أحياء محددة من مدينة أمدرمان، إذ لا تزال مدينتا بحري والخرطوم تشهدان معارك نشطة حتى اليوم مما يعني مزيد من التدهور البيئي؛ هذا يضاف إلى أشكال التدهور البيئي الآخرى من تلوثٍ بصري وسمعي وتدمير للموارد الطبيعية.
- مستقبل بيئي مُظلم:
يتزايد القلق من حدوث كارثة بيئية بسبب الآثار الناجمة عن القتال الذي تسبب في دمار البنية التحتية، وأدى إلى تراكم مخلفات المعارك من هياكل السيارات المحترقة ومخلفات الرصاص وأكوام النفايا، وتشير تحذيرات الخُبراء من مخاطر بيئية محتملة في المستقبل القريب تهدد بإنتشار الأمراض المُعدِية، وتلوث مصادر مياه الشُرب.
كانت ولاية الخرطوم قد بدأت في مكافحة هذه الظواهر التي من شأنها التخفيف من أثر التدهور البيئي كمحاربة الكلاب الضالة، وموارة الجثامين في الأحياء التي أصبحت آمنة.
يرى ياسر علي من سكان مدينة أمدرمان بأن الحرب أثرت على البيئة وتسببت في دمارها وخرابها، وذكر بأنه لاحظ بتغيّر طعم ورائحة مياه الشُرب؛ وأشار إلى أن آبار مياه المنارة ومنطقة أمدرمان القديمة قد تلوّثت بسبب الحرب، وأفاد بأن هناك الكثير من أصحاب الأمراض المُزمنة والأزمات قد عانوا من الحساسية جراء مخلفات المعارك من الغبار والدخان وأضاف:
” هناك حرق للأشجار وتدمير للمنازل ونقص في الثروة الحيوانية وتلوث في الهواء والماء.. “.
مع توسع رقعة القتال في البلاد وإنتقاله لأكثر من منطقة تتزايد المخاوف من خطر تزايد الكوارث البيئية التي قد تؤدي إلى إختلال في المنظومة البيئية، الأمر الذي قد يحدد الحياة بأكملها.