شبكة الراهن الاخبارية

و لكننا تعلمنا..

نزار عبدالله بشير

أسوأ مافي دروس الحياة أنها تأخذ ثمنها من أعمارنا؛ تخصمها مُقدماً، فتعرف أنك قد تعلمت الدرس و لكنه أرهقك كثيراً حتى تستوعب هذه الفكرة، و على أغلب الظن أن العاطفة كانت تحجب رؤى العقل؛ فحين إنزاح الستار إتضحت الرؤية و إستبانت الحقائق؛ و لكنها حقائق كنت تتمنى لو أنك لم تعرفها..

حين يتقدَم بك العُمر ستكتشف أنه عليك أن تفعل كثير من الأشياء بدافع المنطق لا الحُب؛ و أن الوقت سيتجاوزك إن لم تقم بها في التوقيت المناسب فتتخطى مُجبراً عواطفك، ستتعلّم أن الأشياء التي كنت تقوم بها لأسباب قلبية تتعلّق بالمشاعر ما عادت متاحة و ليس هناك مساحة لرفاهية الإختيار و أن الطوارئ سيكون قانون ملازم لحياتك..

ستتعلم التجاوز؛ سرعة التخطي و أن الأشياء التي كانت ترهقك بالتفكير و إعادة التأمل و التَعَمُّق في تفاصيلها لا تستحق سوى كَف النَظر عنها، ليس لأنك نضجت و لكن الوقت لا يسمح و ثمة أمور أكبر من هذه الشواغل، ستكبر معك همومك، قضاياك و تتحول من إنسانٍ يبحث عن حضنٍ يرتمي له إلى كُتلة من المسؤليات و الواجبات تمضي نحو هدفها دون أن يعيقها إحتياج عاطفي و تكتفي بالبكاء على الوسادة أو سجادة الصلاة.

تُدرك مُتأخراً أنه عليك أن تتعايش و أن بعض الأشياء يكفي القليل منها، تتجاوز كثير من التفاصيل؛ لن تهمك كما كانت، يحزنك الشخص الذي صِرت إليه؛ و لكنه السبيل الوحيد لتعيش في عالمٍ كهذا، بعض القناعات الجديدة مليئة بالمرارات التي لا ترغب في خوضها لأنها تعزلك عن مشاعرك و لكنك تفعل كل شئ بمنطقية؛ فخيارات العقل و إن كانت صعبة إلا أنها صحيحة..

تَمر بجانبِ الأشياء التي كنت تحبها دون أن تحرك فيك شيئاً، فأوان محبتها قد فات، بجانب الأسماء التي كانت لفرط تعلّقها بقلبك تخفق معه، تمر بجانب هذه الأسماء و كأنك تراها للمرة الأولى، لا تحرك فيك شيئاً و لا تعني لك شئ، تتجاوز كل شئ بعقلانية متزنة دون حزنٍ و لوم على فٍعل من فعل و تقصير مَن لم يفعل..

تقل دهشتك بالأشياء و تزداد عندك مساحات التَقَبُل، تصبح أكثر هدوءاً، يَقِل إنفعالك تجاه المواقف؛ تتعلم أن تخبئ مشاعرك لنفسك و تميل للعُزلة؛ تفضل القهوة و الموسيقى و القراءة أو مشاهدة التلفاز، ها أنت إذاً شخص آخر بعد كل هذه التغييرات التي لم تختبرها في حياتك قط.

نزار عبدالله بشير
نوفمبر 2023

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.