شبكة الراهن الاخبارية

كم لبثتم؟

بقلم: أحمد يوسف دياب

“يجب أن نتحدث بصراحة مماثلة حول أخطائنا كسياسيين، فالأحزاب التي عملت من أجل الاستقلال أو عارضته وجدت نفسها بلا هدف وفشلت جميع محاولات وضع سياسة متناسقة، فكانت النتيجة وضع حكم ائتلافي وبلغت الخصومات الشخصية والطائفية والدسائس أوجها”.

محمد أحمد المحجوب


ليس هذا عرضًا تاريخيًا للأحداث التي سادت الحياة السياسية في السودان، بل محاولة للتأمل في بعض مجريات الانعطافات السياسية في بلادي والتي أثرت على مصير آلاف السكان، وبينهم الشباب الذين يتطلعون إلى حاضر زاهر، وهم على أرضية ماضي أجدادهم كما وصفهم كتاب التاريخ (بالأبطال). فرسخت هذه المفردة في أذهاننا منذ أن كنا يافعين حتى صرنا تقدمنا في العمر.

وها نحن اليوم، السودانيون في كل بقاع الأرض، نستشرف ذكرى الاستقلال وأغلبنا يحول بينه وبين وطنه آلاف الأميال. وحالنا كحال أبي الطيب المتنبي حين قال:

“بأي حال عدت يا عيد
أم لأمر فيك تجديد؟”.

بذات الشعور الغارق في الحزن بجسمٍ عتيق راسخٍ في القِدَم، ممدود الأطراف، وعلى يمينه ثمراته ويساره مياهًا عذبة، يحتاج كل يوم تطلع فيه الشمس إلى طعامٍ كي يسد به مَخمصِةٍ ما. كثير من السودانيين اليوم قد طالعوا تاريخ السودان الذي كُتِّب بأيدي الاستعمار، وفيهم من سَمِع روايةً عن جَده الذي روى عن أبيه صادقًا. نعم، كان أجدادنا أبطالًا ولكن، أين نحن اليوم من ذكرى استقلال بلادنا؟

المزيد من المشاركات

وهنا نورد شجاعة السيد الراحل محمد أحمد المحجوب في مذكراته “الديمقراطية في الميزان” قال المحجوب:
“يجب أن نتحدث بصراحة مماثلة حول أخطائنا كسياسيين، فالأحزاب التي عملت من أجل الاستقلال أو عارضته وجدت نفسها بلا هدف وفشلت جميع محاولات وضع سياسة متناسقة، فكانت النتيجة وضع حكم ائتلافي وبلغت الخصومات الشخصية والطائفية والدسائس أوجها”.

ونستنتج من هذا الكلام لرجلٍ كالمحجوب أن الساسة في ذلك الوقت لم يناقشوا متطلبات السودانيين برؤيةٍ واضحة وقراءةٍ واعية، من تعدد إثني وثقافي ومناطقي وديني حتى تبدر بوادر الانصهار والرضا بالآخر في سودان متنوع ومتعدد الإثنيات. وهنا، أمريكا هي خير مثال للتنوع الذي نتج عن تجربة واقعية واعتراف سياسي بأنه لا بد من القبول والتعايش مع الآخر الذي أصبح يشكل جزءًا من التكوين الاجتماعي.

أقول: يجدُر بالسودانيين الحادبين على بناء ورِفعة السودان أن يجلسوا على الأرض (يقعدوا تحت) وأن يتجاوزوا المرارات والمِحَن التي حلّت على بلادي. وفي أرشيف العالم ومذكراتهم، وأعني البريطانيين، يعلمون أن السودانيين عند الشدائد يترفعون عن الخلافات السياسية والمذهبية. وهنا أخص شباب الوطن؛ عليهم أن يتجاوزوا الديناصورية السياسية التي سئمناها منذ الاستقلال وحتى اليوم. علينا أن نأخذ بأيدي أبنائنا وبناتنا السياسيات في مثل كثير من الدول، وأن تصبح السياسة ليست مهنة كما هي الآن.
وهنا معنًى لغوي لا بد من التوضيح والتصويب فيه، فإن (السائس هو الذي يروض الخيل). فإن الخيل تُروَّض، فما بالك والإنسان؟ إنها مُهِمة عصية على من لا يعصي هوى نفسه.
فإني وكثيرون من أبناء وطني نعشق بلدنا ونحتفل بشموعِ وأعلام الاستقلال، ولكن لم ولن يخبرنا أحد ما معنى استقلال؛ غير أنه كرنفالٌ بهِيج في ميقاتِ يومٍ معلوم، ونغني لك يا وطني كما غنى الخليل. وعلى تلافيف القلب نحفظ أنشودة الشاعر القومي عبد الواحد عبد الله حيث يقول:

“اليوم نرفع راية استقلالنا
ويسطر التاريخ مولد شعبنا
يا إخوتي غنوا لنا اليوم…”
حفظها السودانيون بلا استثناء، ولكن لم يفيدهم ما حفظوا.

علينا أن نذكر ونتذاكر هذه الذكرى المجيدة وأن تبقى مجيدة. وعلى الحب نلتقي كل عام وبلدنا بخير.
أحمد يوسيف دياب
31 ديسمبر 2024

كاتب المقال الصحفي أحمد يوسف دياب
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.