بقلم: خليل فتحي خليل
يا سواقي بلدنا..
مالو نيلك مالوا.. ؟!!
– الشاعر الصادق الياس
بسبب عملي في إذاعة النيل الأبيض، كان لي العديد من البرامج المتنوعة التي أهتم فيها بتوثيق قامات وطني السودان. سنحت لي الفرصة أن أقابل أغلب مبدعي السودان، خاصة في المجالات الفنية وفي مجال الشعر والغناء. شددت الرحال من كوستي نحو العاصمة لتسجيل عدد من الحلقات. قبل السفر، نسقت عبر الهاتف مع مجموعة من مبدعي وطني، ولكن مكالماتي مع الأب الحبيب الصادق الياس كانت مختلفة، حيث كانت تمتد المحادثات لفترات طويلة. ندردش ويقرأ لي عدد من القصائد، ومما أمتعني بحديثه الهاديء العذب الأنيق.
وصلت الخرطوم، وتوجهت إلى الجريف وفي مخيلتي أغنية “الجريف واللوبيا” بكل شريط تفاصيلها. ومنذ الصغر، كنت أسمع الجابري ووصف الصادق الياس الدقيق للجريف وأهل الجريف في هذه الأغنية. توجهت من موقف الحافلات إلى منزل الصادق الياس. كنت أمشي بين الحواري والأزقة وأتخيل طفولة الصادق الياس هنا وهناك في ذات المكان الذي أمشي عليه. وصلت المنزل، ومن بعيد لمحته وعندما وصلت قال لي: “خواجا في مواعيدك يا خلي الوفي”. كان دوما يناديني بـ”خلي”، وكم كنت أحب هذه المناداة. تعانقنا، بكيت أنا كعادتي (الثقيلة) التي غلبني التخلص منها. أمسك بالكرسي بيد وأمسك بي بالأخرى وقال لي: “تفضل”. دخلت داره العامرة، أكرمني أيما كرم. كرم لا توصفه الحروف مهما تفننت في كتابتها. تخيلت الفنان الغناي جدا أحمد الجابري في كل ركن من هذا القصر الكبير. نعم، قصر لأن بداخله الملك (الصادق الياس). وتخيلته مع ابن كوستي الفنان (التاج مكي عبد الحليم).
وعندما تنقطع أخبار الصادق الياس عني، كنت أتصل بالأخ خالد مكي شقيق التاج لينقل لي أخبار الصادق الياس. وأقول له: “كلم حبيبنا الصادق ما يقفل تلفونه”. دخلت قصر الصادق الياس، تناولت معه وجبة الفطور. الحبيب الصادق الياس وناس. شربنا الشاي وبدأت التسجيل لبرنامجي الإذاعي بإذاعة النيل الأبيض بكوستي برنامج “رحيق الإبداع”. يا له من رحيق، رحيقك يا الغالي الصادق الياس، وبدأت الحوار. وكلما سألت الصادق الياس سؤالا، أتوه بخيالي مع ذكرياته، مرة أبكي ومرة أسرح. كيف لا وأنا في حضرة ملك من ملوك الجمال السوداني. وفي تلك الجلسة، سجلت خمس حلقات كاملة مع الجميل باطن وظاهر الصادق الياس، زمن الحلقة 45 دقيقة بالتمام والكمال. ومن بعدها جلسنا للونس الطويل الذي تمنيت ألا ينتهي إلى هذه اللحظات.
منزل الصادق الياس فاتح على قيفة البحر في الجريف، وكراسي الصادق دوما أمام المنزل قبالة القيفة مليئة بمحبيه الذين أنا أولهم. وتخيلت مشوار العصاري والجريف واللوبيا، وسألت سواقي بلدنا: “مالو نيلك مالو؟” وسألته عن شر هدوم في رماله ولما كنا صغار.
وسأواصل بعون الله في الحديث عن شخص سكن وجداني والروح، إنه الشفيف الغالي (الصادق الياس).