باكرا، و في بداية سنوات الحكم التركي للسودان سعى الخديوي محمد علي باشا لربط السودان عن طريق خطوط التلغراف، لأسباب عسكرية و إدارية و إستراتيجية، و هي ذات الخطوط التي قطعتها المهدية لأسباب عسكرية في الفترة من ١٨٨١م و حتى ١٨٨٥م، العام الذي سقطت فيه الخرطوم في يد الأنصار.
تظل السيطرة على الاتصالات و التحكم فيها هما توليه الدول قديما و حديثا الاهتمام البالغ؛ فقد أثبتت السنوات القليلة الماضية علاقة الاتصالات المباشرة بالعديد من الثورات و الأحداث التي جرت في بقاع مختلفة؛ الأمر الذي دفع حكومات في المنطقة إلى قطع الاتصالات عن مواطنيها في أكثر من مناسبة.
الثورة التي فجرها الإنترنت الفضائي، و الذي يربط أكثر الأماكن انقطاعا و وعورة بغيرها من بلاد العالم ، هذه الثورة، بدأت تداعياتها مبكرا في الظهور، فما إن أعلن الملياردير الأمريكي إيلون ماسك في التاسع و العشرين من أكتوبر ٢٠٢٣م، أن خدمة الإنترنت عبر نظام (ستارلينك) للأقمار الصناعية ستؤمن الاتصالات لمنظمات الإغاثة المعترف بها دوليا في قطاع غزة، حتى علق وزير الاتصالات الإسرائيلي شلومو كرعي قائلا بأنهم “يقومون باستخدام الوسائل المتاحة لمنع ماسك من تزويد تلك المنظمات بالإنترنت”.
الواقع يتحدث بأن سيطرة الحكومات على الإنترنت باتت شيئا من الماضي، و إن اجتهد بعضها في منع تداول وسائل الاتصال الفضائي و قيدها بالقوانين، إلا أن ذلك لن يمنع أن تكون هذه الخدمة هي المنفذ الوحيد للتواصل مع العالم في مناطق تشهد إنعزالا تاما بفعل قطع خدمات الاتصالات و الإنترنت.
يشير الكثير من المراقبين إلى أن العالم قد دخل بالفعل عصر التغلب على (الدكتاتورية الرقمية)، و هو وصف أطلقته مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، حيث أسهم الإنترنت الفضائي في كسر التعتيم الإعلامي الذي لازم الحملة الروسية على أوكرانيا، بعد أن قطعت الحكومة الروسية خدمات الإنترنت عن أغلب المناطق الأوكرانية.
لقد أثبتت الوقائع المنظورة أن تكلفة الإنترنت الفضائي، و التي تقدر بنحو ٦٠٠ دولار مع رسوم شهرية قدرها ١١٠ دولارات، أثبتت الوقائع أن هذه التكلفة المرتفعة ليست بالعائق الذي يحول دون حصول المستفيدين على الخدمة، خاصة في المناطق التي تحول فيها الحروب دون تلقي الخدمة التقليدية من الشركات الموزعة لخدمة الإنترنت، حيث إن دوافع الاتصال بالعالم تتراوح ما بين التواصل الإجتماعي، إلى الحماية من الانتهاكات في مناطق تحتاج عون العالم؛ و تلك دوافع تجعل من الحصول على الاتصال أمرا لا يقدر بثمن.
كما أن السهولة النسبية في الحصول على أجهزة الإنترنت الفضائي، تجعل من انتشار استخدامه أمرا واقعا، و بالأخص في المناطق الصحراوية و النائية، حيث تكون الحاجة للاتصالات أكثر إلحاحا.
يستخدم الإنترنت الفضائي البث عبر الأقمار الصناعية، التي توفر للمستخدم إتصالا سريعا و مباشرا من أي موقع على سطح الكوكب، و يتكون النظام من القمر الصناعي و المحطات الأرضية التي يشغلها المستخدم، و هي تجهيزات صغيرة الحجم و خالية من التعقيدات الهندسية.
يتوجب دائما على الحكومات تأمين الاتصالات بخلق البنيات التي تضمن وجود البدائل المفيدة و الناجعة في أوقات الحروب و الكوارث، و لكن لا يبدو أن للحكومات حظ في المستقبل القريب في السيطرة على الاتصالات بشكل كامل، كما أن شركات توزيع الخدمة بحاجة لمراجعة سياساتها على ضوء ما طرأ.
المزيد من المشاركات