شبكة الراهن الاخبارية

جار الزمن بينا، بكائية زيدان الخالدة

جار الزمن بينا…

لكل الذين شد الكتمان على قلوبهم وصارت صدورهم كالقدورِ تغلي.. !!

للذين إمتلأوا بالخذلان فلم يجدوا للتعبير سبيلاً ولا للبوح مَخرَج..!!

للذين أرادوا البُكاء فلم يجدوا في المُقَل ما يصلح للذرف ولا في الروح ما يجدي البُكاء…!!

نَاح عنكم (زيدان إبراهيم) يوم أن أَسلَم للحن مقدرته على الأداء وسَخّر مقدرته علي التعبير ليغني (معذرة) قبل سنوات.. !!

ستون ثانية بالتمام والكمال المقدمة الموسيقية للأغنية، دقيقة من الموسيقى التي تأخذك في كل اتجاه إن شئت بكيت، وإن شئت رقصت.. !!

لو اكتفى (زيدان) بالثلاثين ثانية الأولى التي ملأها بالآهات وسط نواح الكمنجات وجوقة الآلات الموسيقية لحسبناها له أغنية مكتملة الأركان لا ينقصها شئ من الإبداع..

لا أدري ما الذي اعترى شاعرنا (كباشي حسونة) ليستخرج من خُلاصة التعابير الشاعرية مفردات مثل تلك التي قال فيها:

” أنا ما بنوم الليل..
حين أطرا فُرقتنا..“

البلاغة ليست في التعبير هُنا؛ ولكنها في التأويل المفتوح على المعنى، هل أراد الشاعر هنا أن يتحدث عن ذكرياته التي تأتيه وهو يتذكر ساعة الوداع، أم خياله الذي يزوره كلما فكر في الوداع…؟؟

وليس ثمة صدق أكثر من كون المرء يخرج مكنونات شعوره ويفترشها للعامة؛ ويتبع ذلك بالقسم كلما هم حبيبه بسوء الظن وتكذيب روايته، فتجده يُعزّي نفسه في كل حين:

”جار الزمن بينا..
و ايامنا خانتنا…
والله خاتنتا…“

هناك قصة غريبة في هذه الأغنية أوردها الباحث في الأغنية السودانية الأستاذ معاوية يس فحواها أن هذه الأغنية أتى بها علاء الدين أحمد الشهير (بود البيه) من صديقه الشاعر (كباشي حسونة) الذي يقطن ود مدني آنذاك، ولحنها السني الضوي وغناها علي إبراهيم اللحو ولكنه لم يسجلها للإذاعة و بعد طول زمان منحها الشاعر للملحن (أحمد زاهر ).

ليلحن السني الضوي لاحقاً لحن أغنية معذرة التي غناها اللحو ولم يسجلها بأغنية (والله وحدوا بينا) ليغني زيدان من كلمات كباشي حسونة وألحان أحمد زاهر أغنية (معذرة) حسب إفادة الباحث معاوية يس في سلسلة أفلام كلمات وأغنيات.

يُغلظ (صاحب الشعور) القَسَم في كل مرة يتذكر موقف محبوبه منه ويجزل (الاعتذار) مشفوعاً باليمين في كل مرة ومكرراً ذلك بأسلوب لا يجعل لك مخرجاً سوى التصديق والسماح:

”كل الحصل يا حبيبي..
والله ما منى..“

لزيدان طريقته المميزة في الأداء حتى سُمي من صدقه في آداء أغنيات الشجن بفنان (المشوكشين)، والواضح أن زيدان في هذا اللحن قد حشد فيه كل مقدراته التطريبية و الأدائية…

أتصور المحبوب جالساً أمام حبيبه يوضِّح ويبين ما حدث من سوء فهم، محاولاً محو (أثر الزعل) وتبييض أوراق القَلب من جديد مُعززاً موقفه بالرجاء العظيم:

” قسماً بحق عينيك…
يا سمير قلبي..
ومن الحصل يا جميل..
أرجوك اعزرني..“

ليس ثمة حديث يقال بعد هذا، إذ أن اللغة قد جاءت واضحةً وحملت التماساً مشفوعاً بحق (المعزة) وتضمنت من المشاعر ما تجعل الذي أمامك يغفر كل الأخطاء وليس كالذي يقف عنده المحبوب و لا يتجاوز…

كان (كباشي حسونة) صادقاً في تعبيره، وكان الملحن أحمد زاهر صادقاً في شعوره؛ فاقتبس زيدان الشعورين ليوصل لنا هذه التجربة بطريقة تجعلنا نتبنى نحن الشعور بدلاً عن الذي صاغ ولَحّن وغنى، وكأننا نحن مَن فعل لا آخرون، شئ من الشهيق العميق يمنحك الراحة وكأنك أخرجت كل كتمانك على هيئة حروف.. !!

ولأن لا شئ يبقى للأبد، لابد من محاولات للبوح بحقيقة المشاعر ومكنونات الأحاسيس؛ فالكتمان مؤذ، والحُب حين يتملك القلب يعمي البصر ولا يصبح شئ أحب من الحبيب كــ قُربه من محبوبه، هنا يسجل الناظم اعترافاً صريحاً بذلك ويتبعه بأسىً عميق على حالته:

” إياك تفكيري..
وإياك سمير قلبي..
بس جارت الايام..
فرقتنا ياحبي…“

نزار عبدالله بشير
مارس 2024

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.