كتب: صلاح محمد طه.
وكم تمنيت ، وكم من أمل … (1)
……..
بما أن حياة الإنسان عبارة عن مجموع سنوات عمرية متعددة المراحل، فمن الطبيعي أن تمر سفينة الحياة خلال هذه المراحل العمرية المختلفة بمنعطفات و تحولات تجعل من المرحلة العمرية المعينة محطة جديرة بالتوقف و التأمل ، فمثلا مرحلة الطفولة قد لا نستحضر فيها – ماديا على الأقل – و بشيء من العقلانية و المنطق شيئا ملموسا كثيرا يذكر ، من حيث الصور و الملامح لحداثة التجربة بالطبع ، كي نستخلص من حقيقتها حياة كاملة الدسم ، و هنا تلعب الذاكرة و اتساعها و نضوجها دورا أساسيا في عمليات الاكتشاف الأولى و ذلك من خلال خاصيتي الفهم و الإدراك ، فتعمل الذواكر على تثبيت الصورة و فهم المضمون لتبدأ بعدها عمليات التخزين ثم التجسير بين المراحل حتى تمكننا – لاحقا أو حينها – من إعمال عوامل الربط و التمييز بين مرحلة زمنية معينة و محطة عبور سابقة – كالطفولة مثلا – و بين مرحلة عمرية لاحقة – الصبا – فبحسب التراتبية السنية نربط بينهما عقليا و منطقيا. و لكن – تقنيا – يمكننا و بحسب عمل العقل الحسي الداخلي لنا – البيولوجي – نؤمن بأنها مرحلة عمرية انقضت بحسابات الزمن المحسوس أكثر من حسابات الزمن الملموس، ما عدا لحظات خالدة معينة فقط تبقى على جدار الذاكرة يعلوها غبار السنوات الأولى ، و ما بين المحسوس و الملموس تتقاسم المراحل العمرية التجربة و تتناقلها لتعمل بينها الخبرات، فتصبح كل مرحلة عمرية بحد ذاتها كفيلة ببناء جزء مهم من الشخصية ، بحيث تتصل و في ترادف عجيب و تراكم مبهر ، ينم عن فطرة إلهية مغروسة في عمق و كنه جيناتنا البشرية تسهم في استمرارية بناء الشخصية بحيث تجعلنا نستسيغ لهذا التحول و نتقبله طبيعيا، بل و ربما أن نتوقعه كرابط طبيعي و جسر بديهي لهذا التمرحل الإنساني المتتابع بين المحطات العمرية.
هذه التقدمة ربما الفلسفية أو الفذلكة العلمية نوعا ما أو العقلانية أحيانا قد تقودنا أو تنبهنا لمفهوم ماهية المراحل العمرية بصورة أكبر و أقرب عقلانيا ، علميا و نفسيا ، بما تحويه من تغيرات فيزيائية و بيلوجية في عمر و جسد الإنسان و بالتالي تاثيرها على التغيرات العقلية و المدركات الذهنية و خصائص العقل (المهام و الوظائف ) بالتالي نصل لمفهوم التغيرات الحياتية من حولنا بشكل منطقي و سلس لهضمها و التعامل معها، و لعمري أنها لشيء مهم و حتمي ، كما أن لها دورها الذي تلعبه في داخل (كالوس) الشخصية للإنسان المعني و محيطه الخاص ، و لها أيضا دورها المؤثر على مسرح الحياة عموما لاحقا.
و لكي نربط ما بين المراحل العمرية و بوادر (الأمل و الأمنيات ) كما في العنوان (و كم تمنيت .. و كم من أمل ) ، كان لا بد من هذه التقدمة من منظوري الخاص على الأقل ، حتى أحدث أو أبين للمتلقي طبيعة التنقل الإنساني ما بين المادي الملموس و المعاش بما يتمثل فيها من حياة و شخصيات و وقائع و أحداث وحراك انساني و غيره ، و ما بين المحسوس وما نستمده من الحياة و محيطها و ممن هم حولنا فيغذينا حسيا و معنويا ، فتتكامل عندنا التجربة الإنسانية في قمة عطاءها فيتم الهضم و من ثم الإفادة عمليا منها في مشوار الحياة، و بالتالي فتح نوافذ الأمنيات العراض و (نفاجات) الأمل المشرعة أمام العقل و النفس البشرية المثقلة بالأمنيات و الآمال (فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل) .
و بما أن لكل مرحلة عمرية أمل مرتجي و أمنيات مالحات و مليحات و أنفس تواقه لتحقيقها ، تظل المرحلة العمرية رغم حراكها المكانيكي موغلة في الحراك الديمومي المتصاعد نحو هذا الأمل أملا في تحقيقه و بلوغ أسمى أمنياته ، لا سيما أن لكل نفس حاجاتها و احتياجاتها، لذلك أيضا فإن هذا الأمل يحتاج لمعينات ملموسة و محسوسة حتى بلوغه. و لعمري أن غاية كل مرحلة تختلف في نوعية هذا الأمل و كيفية بلوغه على مدى مراحل نمو الأمنيات و تمثلها بالطبع ، فالطفل يأمل و يتمنى و يحلم (بخياله الإيهامي) في مراحل أولية ، و من ثم يتدرج بها في مرحلة أكبر إدراكا أعلى بأن يصير طبيبا أو مهندسا أو ضابطا أو مديرا أو رئيسا بحسب التأثيرات الخارجية المحيطة به ، بل و حتى عبر دفوعات الأقربين إليه ، وهو ما يؤثر بطبيعة الحال على مردود التفكير الشخصي و طبيعته على صاحب الأمل و الأمنية.
كذلك ما بين مرحلة الصبا والنضوج تتفتح النفس أكثر فأكثر على مناقب الحياة، و تتعرف الشخصية على نوافذ جديدة من الآمال والأمنيات حالما تراقصت طيورها على غصون العمر فنجدها تختلف ربما جملة عن آمال سابقات و تفصيلا عن رغبات تخطتها التجربة إلى آمال أخرى عراض و أمنيات عذوبة تهفو إليها شغاف النفوس فتتعاظم إليها الهمم و النفوس معا (إن كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام) ، لذلك تتعب النفوس الكبيرة في بلوغ غايات الآمال الكبيرة مع اتساع فسحة الأماني السندسية.
فالإنسان في الحياة إن كان بلا أمل أو أمنيات كما الشجر بلا ثمر ، و كما البرق بلا مطر ، و كالمشي بلا أثر ، لا سيما أن أفضلها هو تلك الآمال النبيلة التي من خلالها تتحقق قيم الحب و الخير و الجمال ، و تلك الأمنيات التي ترفد الشخصية بفضال الاستقامة فتحثه على بلوغ غاية الآمال فتدفعه نزعاته نحو التسامي و إحداث التغيير المطلوب كما و كيفا ، رفدا للتجربة الإنسانية في حال تحقيقها و بلوغها بالطبع.
وما بين الآمال والأمنيات دائما شعرة رفيعة إما تربط أو تفصل ، فإما شعرة تمتين و تمكين فتربط ، و إما شعرة إحباط و تخوين فتسقط.
و للحديث بقية في مقبل المقالات للحديث بشكل مفصل يتعلق بالأمنيات و الأماني من منطلقات وفي محطات مختلفات .
صلاح محمد طه.
الولايات المتحدة.
مايو 2024