“هذه العروسة عمرها تجاوز الستين عاما” هكذا عبر “الماحي” عن حبه لسيارته ماركة “لاندروفر” و هو يمسح على زجاجها الأمامي بقطعة قماش مبللة بالماء، أثناء توقفه بأطراف السوق بانتظار عودة التجار من التسوق لنقلهم و بضائعهم إلى القرية.
سيارة لاندروفر هي بلا شك عميدة الطرق في السودان من فئة الشاحنات الصغيرة، فهي ملكة الطرق الرملية و الطينية على حد سواء، لا ينازعها في ذلك غير سيارات لاندكروزر ذات التاريخ المشرف و السمعة الحاضرة.
يقول “الماحي” الذي يسكن إحدى قرى القضارف بشرق السودان إن هذه السيارة التي بحوزته هي أكثر من سيارة تنقل أهل القرية و محاصيلهم صيفا و خريفا إلى سوق المدينة، فهي بالنسبة له سجلا للذكريات و التفاصيل الحياتية المختلفة؛ لطول خدمتها معه و شهودها الكثير من الأحداث المحزنة و المبهجة.
ذلك في الواقع سر آخر من أسرار ارتباط مستخدمي لاندروفر في السودان بسياراتهم القديمة؛ إذ يعتبرونها فرد من العائلة، بعد أن قادها الجد الأكبر كما قادها أحفاده.
الأجيال اللاحقة أقل ارتباطا بالسيارات العتيقة و من ضمنها لاندروفر، لميل تلك الأجيال للحداثة و السرعة و مواكبة الجديد، إلا أن الماحي يقول بأن سيارته لا يمكن قياس أدائها بسيارة أخرى؛ بسبب الكفاءة التي تقدمها على الطرق الوعرة و غير الممهدة، و قدرتها على الصمود في ظروف يتوقف فيها الآخرون.
“بسيطة التكوين و قليلة الأعطال و لا يوجد بها تعقيد يسبب الإزعاج” هكذا وصف الماحي سيارته من ماركة “لاندروفر” الإنجليزية العتيقة، متسائلا: ” إن توفر لي الأداء الجيد و قلة الأعطال فما الذي أريده من السيارة أكثر من ذلك ؟”.
مازال الكثير من السودانيين يشغلون سيارة “لاندروفر” التي بدأ إنتاجها في عام 1948 و سرعان ما غزت العالم باعتبارها سيارة مهام صعبة، و مازالت هذه السياراة ذات هيكل الألمنيوم المدعم تمثل رئة للكثير من المناطق النائية باعتبارها وسيلة النقل الفعالة، في ظل وعورة الطرق خاصة في فصل الأمطار.
يشير الماحي إلى سيارته بتأثر قائلا: لا أستطيع أن أحصي عدد حالات الطواريء التي أنقذت فيها هذه السيارة أرواح الناس المرضى، و أولئك الذين تعرضوا للدغات الأفاعي أثناء عملهم بالمزارع، هذا غير حالات الولادة للسيدات و التي تستدعي نقلهن للمستشفى على طرق غارقة في مياه الأمطار.
الآن تشمل فئات سيارات لاند روفر أصنافاً متنوعة بما فيها فئات السيارات الكهربائية و السيارات الكهربائية الهجينة أو القابلة للشحن Plug-In من لاند روفر بغية تقليل انبعاثات الكربون والإسهام في المحافظة على البيئة، و مازالت لاند روفر تحث الخطى على قدمٍ وساق نحو مواكبة أفضل التقنيات الحديثة والتصاميم العصرية والميزات الاستثنائية، رغم كل ذلك يتمسك المئات مثل “الماحي” في مناطق السودان المختلفة ب”الجدة العروسة” يدللونها بكتابة عبارات على هيكلها و يتعهدونها بالنظافة و لا يريدون لها تبديلا، و لا يبغون عنها حولا.
المزيد من المشاركات