شبكة الراهن الاخبارية

الوضع الإنساني في السودان بعد 15 شهرا من الحرب

الوضع الإنساني في السودان بعد خمسة عشر شهراً من الحرب

نزار عبدالله بشير

تستمر الحالة الإنسانية في البلاد التي مزقتها الحرب في التدهور مع دخول الصراع شهره الخامس عشر في السودان ، حيث تعمقت الأزمة وتحمل السكان المدنيون وطأة الدمار.
تستمر الاشتباكات بين القوات المسلحة السودانية والدعم السريع في تعميق الظروف السيئة بالفعل في مدن مثل الفاشر وغيرها من بؤر الصراع الساخنة.

على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، نزح ما يقدر بنحو 143,000 شخص من محلية الفاشر في ولاية شمال دارفور بسبب القتال. يضيف هذا النزوح إلى الأعداد الهائلة بالفعل من الأشخاص النازحين داخلياً في السودان، والتي تصل الآن إلى أكثر من 11 مليون شخص، أو واحد من كل خمسة أفراد في البلاد، بما في ذلك أولئك الذين نزحوا منذ منتصف أبريل 2023.

أدى الصراع إلى نزوح ثانوي لكثيرين، مع نزوح ما يقدر بنحو 7.3 مليون شخص منذ منتصف أبريل 2023.
إن نطاق النزوح هو شهادة على شدة الصراع والحاجة الملحة إلى المساعدة الإنسانية والحماية لأولئك المتأثرين حسبما يشير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

حالة حقوق الإنسان في البلاد:

في ظل استمرار النزاع في السودان، يعاني المدنيون من ظروف معيشية قاسية مع تصاعد الأزمة الإنسانية وتزايد أعداد النازحين. في حديثها مع جون ديكرسون من شبكة سي بي إس نيوز، وصفت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، مشاهد اليأس التي شاهدتها خلال زيارتها للسودان، بما في ذلك العائلات التي تفر عبر الحدود على ظهور الحمير، والنساء اللاتي تعرضن للاغتصاب، والأطفال الجوعى في المستشفيات، والعائلات اليائسة التي تفر من منازلها بعد الهجمات من قبل قوات الدعم السريع.

في تقريرها السنوي حول حقوق الإنسان في العالم، سلطت منظمة هيومن رايتش ووتش الضوء على الوضع في السودان في تقريرها لعام 2024. وأشارت المنظمة إلى أن المحكمة الجنائية الدولية (ICC) أصدرت مذكرات اعتقال بشأن جرائم سابقة في دارفور، وأكد المدعي العام للمحكمة في يوليو أن الجرائم الحالية في دارفور تقع ضمن اختصاصاتها. ولم تكتمل تلك الأحكام، باستثناء محاكمة واحدة لزعيم ميليشيا، وأدى ذلك إلى دورات متكررة من العنف، بما في ذلك النزاع الحالي.

في عام 2023، أغلقت الأمم المتحدة بعثتها السياسية في السودان استجابة لطلب الحكومة السودانية، مما أنهى ما تبقى من قدرة الأمم المتحدة في البلاد على حماية المدنيين وإعداد تقارير علنية عن الأوضاع الحقوقية. على الرغم من الدعوات لإعطاء الأولوية للمساءلة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، واجهت هذه الجهود مقاومة من الدول العربية ورفضت إلى حد كبير من قبل الحكومات الأفريقية وفق ما أشار تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش.

تقارير أممية:

تتعقد الحالة في السودان أكثر بسبب أزمة الأمن الغذائي المتصاعدة، والتي تفاقمت بسبب الصراع. تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) الصادر في 27 يونيو يرسم صورة قاتمة، مشيرا إلى أن أكثر من نصف السكان، حوالي 25.6 مليون شخص، يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد. يسلط التقرير الضوء على خطر المجاعة في 14 منطقة، مع 755,000 شخص بالفعل في مرحلة الكارثة (IPC المرحلة 5) بسبب النقص الشديد في الغذاء.

حذر رضوان نويصر، خبير الأمم المتحدة المعني لحقوق الإنسان بالسودان، من الوضع المروع لحقوق الإنسان في البلاد مع انتشار القتال إلى مناطق جديدة. ووصف حجم ومستوى الانتهاكات التي ارتكبت في السودان بأنها “مرعبة”.
نويصر، المعين من المفوض السامي لحقوق الإنسان، قال إن المدنيين في السودان تعرضوا لمستويات غير مسبوقة من العنف والمعاناة منذ بداية “هذا النزاع غير المبرر”. اندلع الصراع في السودان بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في الخامس عشر من أبريل 2023.
اختتم نويصر زيارة استمرت خمسة أيام إلى بورتسودان، حيث التقى بالسلطات السودانية، بما في ذلك نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، والمجتمعات النازحة، وشهد على الأثر الذي خلفه الصراع على حياتهم.
في بيان صحفي صادر عن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، قال رضوان نويصر، خبير الأمم المتحدة المعني بالسودان، إنه حث السلطات خلال الاجتماعات على اتخاذ إجراءات فورية في أربعة مجالات رئيسية، وهي ضمان حماية المدنيين في سياق النزاعات عن طريق الامتناع عن الهجمات العشوائية، بما في ذلك استخدام الأسلحة المتفجرة واسعة النطاق في المناطق المأهولة بالسكان.
والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، بما في ذلك تسريع الإجراءات الإدارية، لتمكين تقديم المساعدات إلى المحتاجين،والامتناع عن الاعتقال والاحتجاز التعسفي للأشخاص، بما في ذلك نشطاء المجتمع المدني، وضمان المساءلة عن جميع انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان، بغض النظر عن هوية مرتكبيها.

أدى الصراع إلى تعطيل الإنتاج الزراعي، وحجب طرق الإمداد، والحد من الوصول إلى المساعدات الإنسانية، مما ساهم في تفاقم أزمة الغذاء. يوفر التقرير أيضا بيانات عن توزيع السكان عبر مراحل مختلفة من انعدام الأمن الغذائي في ولايات مختلفة من السودان، ويوصي باتخاذ إجراءات فورية مثل استعادة الوصول الآمن والمستدام للمساعدات الإنسانية، وتقديم المساعدة الإنسانية متعددة القطاعات، ودعم سبل العيش.

بالإضافة إلى النزوح الداخلي وانعدام الأمن الغذائي، كان للصراع تأثير كبير على البيئة والمناخ، وخاصة في دارفور. وفقا للمختصين في البيئية ، فإن الحرب أثارت مخاوف بشأن جرائم المناخ المحتملة التي يمكن إحالتها إلى المحكمة الجنائية الدولية (ICC).

دارفور وإستمرار الأزمة:

يعتمد معظم سكان دارفور على الزراعة والرعي، يعتمدون على الأرض لكسب عيشهم؛ وبسبب الحروب، يعيش معظم الناس الآن في مخيمات بعد أن أجبروا على الفرار من منازلهم، والعنف يمنعهم من العودة إلى أراضيهم واستئناف أنشطتهم الاقتصادية. إستمرار الصراع في إقليم دارفور لسنوات ترك أثراً كبيراً على البيئة ؛ وكان رئيس لجنة الموسم الزراعي في العام 2023 قد أعلن خروج عدد من الولايات من الموسم الزراعي بسبب الحرب الدائرة في البلاد منها ولايات دارفور التي تشهد إشتباكات مستمرة منذ إنتقال الصراع من العاصمة الخرطوم إلى بقية الأقاليم، وكانت الأمم المتحدة وبعض الدول قد حذرت الدعم السريع من محاولة الدخول إلى الفاشر؛ مخافة تفاقم الأزمة الإنسانية وسط السكان.

على الرغم من التحديات، تمكن شركاء العمل الإنساني في السودان من توفير مساعدات إنسانية متعددة القطاعات لأكثر من 5.2 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد بين 1 يناير و 30 أبريل 2024. تشمل هذه المساعدة المساعدات الحيوية مثل الغذاء والمأوى والأدوية ومعدات تنقية المياه، والتي تعتبر ضرورية لمعالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة للسكان النازحين والسكان المعرضين للخطر.

غابات أولالا:

يواجه السودان أكبر أزمة غذائية في العالم، حيث يواجه أكثر من نصف السكان مستويات كارثية من الجوع ومخاطر الحماية الشديدة. ومن المتوقع أن يتفاقم هذا الوضع مع انخفاض الإنتاج الزراعي قبل الحصاد المقبل في سبتمبر 2024، مع تدمير المحاصيل والأصول الزراعية، وفقاً لمؤشر الجوع العالمي.

لا زال يعاني اللاجئون السودانيون في غرب إثيوبيا من ظروفٍ إنسانية بالغة التعقيد؛ إذ خرجوا من معسكرهم منذ أول مايو بعد أحداثٍ مؤسفة، ولكنهم لم يستطيعوا التوغل داخل إثيوبيا إلى مناطق آمنة ولم يسمح لهم بالعودة إلى معسكر النزوح ليجبروا على الدخول والعيش في غابات أولالا بحسب رواياتهم.
قالت تنسيقية اللاجئين السودانيين بإقليم أمهرا الإثيوبي إن عصابات مسلحة اختطفت اللاجئ خير الله على جمعة و كشفت التنسيقية أن المجموعة المسلحة طالبت لاحقا بفدية قيمتها 300,000 بر إثيوبي مقابل إطلاق سراح اللاجئ المختطف.
كما يفتقدون للرعاية الطبية و عدم تدخل الأطباء و منع تقديم أي نوع من الخدمات للاجئين داخل الغابة كما أشارت تنسيقية اللاجئين بإقليم الأمهرا والتي أوردت في بيانها إلى أنهم استقبلوا الرقم السادس من حالات الولادة داخل الغابة في 10 يوليو، بالرغم من كل الظروف و التحديات التي يعاني منها اللاجئون داخل الغابة، وأشارت التنسيقية إلى أن الأمهات وضعن مواليدهن بطريقة طبيعية و من ضمنهم توأم تحت إشراف (قابلة الغابة).

فيما نقلت شبكة الراهن الإخبارية في وقت سابق عن لجنة الطواريء الإنسانية برئاسة جبريل إبراهيم وزير المالية إصدارها بياناً رسمياً بعد مداولاتها حول حالة اللاجئين السودانيين بمعسكري أولالا و كومر بإقليم أمهرا غرب إثيوبيا، و الذين علقوا بغابات أولالا منذ أول مايو في ظروف إنسانية بالغة التعقيد.
و رحب البيان بإعلان بعض اللاجئين عن رغبتهم في العودة إلى السودان نظرا للظروف السيئة التي يعيشونها، كما قررت اللجنة التنسيق مع السلطات الإثيوبية و المنظمات المعنية لزيارة اللاجئين السودانيين في معسكري أولالا و كومر و المناطق المحيطة بهما.

نازحي سنجة:

أدى تصاعد العنف في سنار وسنجة إلى تدفق النازحين إلى بلدات في المناطق المجاورة. العديد من الوافدين نزحوا بالفعل عدة مرات منذ بداية الصراع في أبريل 2023. فيما تشير بعض المنظمات الإنسانية إلى أن الأعداد الكبيرة من النازحين، معظمهم من النساء والأطفال، الذين يصلون يوميًا، مرهقين وجائعين ومفلسين ومصدومين بشدة.

قالت مصفوفة تتبع النزوح التابعة لمنظمة الهجرة الدولية إن أكثر من 55 ألف شخص نزحوا من مدينة سنجة على النيل الأزرق بعد مهاجمتها من قبل الدعم السريع السبت.
و أفاد نازحون خارج المدينة بأن أعدادا من السكان توجهت تلقاء الجبلين، فيما اتجهت أعداد كبيرة إلى القضارف و الدندر و الدمازين.
و أفاد مواطنون بالقضارف بوصول أعداد كبيرة من نازحي سنجة إلى عاصمة الولاية و مناطق أخرى تتبع للولاية، فيما عبر آخرون المدينة متوجهين لولاية كسلا.

في اجتماعه مع النازحين، عبررضوان نويصر خبير الأمم المتحدة المعني لحقوق الإنسان بالسودان عن صدمته بشأن الظروف التي اضطروا إلى العيش فيها، تحت درجات حرارة مرتفعة، مع وصول محدود للخدمات الأساسية مثل المياه والصرف الصحي والنظافة الشخصية، بما في ذلك منتجات النظافة النسائية، والغذاء والرعاية الصحية.
أفاد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة بنزوح أكثر من 60 ألف شخص بسبب القتال في سنجة على النيل الأزرق جنوب شرق السودان، إضافة إلى انعدام الأمن في منطقتي أبو حجار و الدالي، وكانت محلية الجبلين بولاية النيل الأبيض وحدها قد استقبلت أكثر من سبعه آلاف و ثلاثمائة أسرة من المتأثرين بالحرب من ولاية سنار، فتحت كسلا مركز إيواؤ لأكثر من مائة وعشرة أسرة نازحة من ولاية سنار. و قالت فانيسا هوغوينان مسؤول الاتصال في في المكتب إن أغلب النازحين يتجهون شرقا نحو ولاية القضارف.

اللاجئين في دول الجوار:

قالت مفوضية اللاجئين في بيانٍ لها نشرته بتاريخ 25 أبريل 2024 إنه و “بعد مرور عام على اندلاع الأزمة في السودان، مازال الآلاف من الأشخاص يضطرون للنزوح قسراً بحثًا عن الأمن والأمان إما داخل حدود البلاد، أو خارجها ليصبحوا لاجئين في دول الجوار، وقد تجاوز عدد السودانيين اللذين اجبروا على الفرار حتى الآن عتبة الـ 8.5 مليون شخص داخل وخارج السودان، وتتفاقم الاحتياجات الأساسية الطارئة للأسر النازحة واللاجئة وتزداد بشكل مطّرد لا يتناسب مع مستوى التمويل المنخفض المتاح للمفوضية” .
يتوزع معظم اللاجئين السودانيين في الخارج بدول الجوار الأفريقي، منهم 564686 لاجئاً في دولة تشاد، و643254 في جنوب السودان، و500000 في مصر، و51666 في إثيوبيا و29444 في أفريقيا الوسطى، وفق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، إلى جانب مجموعات أخرى صغيرة توجهت صوب أوغندا وإريتريا وليبيا.
وكانت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين قد أعلنت أن تشاد تشهد حالياً أكبر تدفق للاجئين في تاريخها، مع وصول أكثر من 570,000 لاجئ من السودان حتى منتصف أبريل. يستمر هذا العدد في الارتفاع مع استمرار النزوح، مما يزيد من الاحتياجات الإنسانية ويعمق التحديات التي تواجه اللاجئين والمجتمعات المضيفة في شرق تشاد.

وأعربت المفوضية عن قلقها العميق بشأن انخفاض مستوى التمويل، حيث يتوفر حالياً 7% فقط من الاحتياجات المطلوبة ضمن خطة الاستجابة الإقليمية للاجئين لعام 2024 في الدول المجاورة للسودان، بما في ذلك تشاد. ودعت المفوضية المجتمع الدولي إلى الوقوف إلى جانب اللاجئين والمجتمعات المضيفة في تشاد، وتقديم الدعم الإنساني والتنموي اللازم لمساعدتهم على مواجهة هذه الأزمة غير المسبوقة.
ويشهد السودان حرباً مشتعلة منذ الخامس عشر من أبريل من العام 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، بدأت في العاصمة الخرطوم وإنتقلت لبقية أقاليم السودان خلفت وراءها الآلاف من القتلى وملايين النازحين.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.