شبكة الراهن الاخبارية

كيف عدنا ؟

نزار عبدالله بشير

الكتابة ليس ترفاً…
مقولة وجدتها في رأسي لا أدري أين و متى و كيف قرأتها؟ و لا مَن كاتبها، و لكني أتذكر تلك الجملة في كل مرة تجدني فيها مُجبراً أكتب بعد أن أغرق ذاتي بالأسئلة و التي عادةً ما يكون آخرها؛ لماذا لا تترك الكتابة إن كانت تسبب لك كل ذلك الرهق؟ فتطل تلك الجملة كساحر يظهر خفية و أكمل مُرَغماً ما أنا بصدد إكماله.
شخصياً أصاب بحالة تشبه الإكتئاب في كل مرة أحاول فيها الكتابة عن شئ ما أو موضوع ما و كنت أعتقد أنني الوحيد الذي يعاني من ذلك العَرض الدائم حتى شاهدت لقاءاً تلفزيونياً للروائي السوداني دكتور أمير تاج السر الذي أورد في جزء من حديثه أنه يعاني من الإكتئاب في حالة الكتابة و لا يرتاح حتى يكتب.
أما أنا فحتى كتابة هذه السطور لا أدري كم مَرَّ مِن الوقت منذ آهر مرة كتبتها؛ و لكني أشعر بأنها طويلة بالنسبة لشخص مثلي مدمن على الكتابة و هذا يعني ديمومة تلك الحالة الكئيبة بصورة دورية، وقت طويل أتخيله منذ أن رحلت آخر فراشات أحرفي تحَلِق حول أعين القُرّاء و الجميلات شعرت خلال تلك الفترة بأنني عاجز تماماً حتى على تدوين أبسط الكلمات و للدقة لا أريد أن أكتب و تمنيت أن لا أكتب بقدر تمنياتي بعودتي للكتابة من جديد، نعم دخلت في حالة من التناقض بين ذلك الإدمان على الكتابة و الحوجة لمصافحة وجه الأوراق البيضاء و دفق الحِبر عليها و وسوسة الأفكار للأنامل للبوح بمكنونات النفس و ربما تقمص حالة ليس لها أي وجود و بين ذلك النوع من الإرتياح الذي تحقق في التخلص من ذلك الشعور المزعج أثناء الكتابة.
و أنا في عزلتي تلك إكتشفت كثير من الأشياء التي تخص الكتابة كانت غائبة عني لفترة طويلة، و لم أكن أتوقع عودتي للتدوين من جديد خلال هذه الفترة حتى وجدت (منشوراً) لي كنت قد كتبته على صفحتي بالفيسبوك ربما يعود لأكثر من عامين مضت قلت فيه :
” ببساطة أنه لن ترتاح إن لم تكتب..
و لن ترتاح إن كتبت “
ضحكت على كلماتي هذه، و على سذاجتي و أنا أقنع نفسي بالبعد عن الكتابة، ضحكت على هذا التناقض المضحك و المُبكي و كيف مَرَّ عليّ دون أن أنتبه له، عموما لم يكن هذا ما أعادني للكتابة من جديد و لكن شيئاً أعظم.
و أنا أقلب في صفحات الكتب كالعادة أطالع ما خطته أقلام كِبار الكتاب مررتُ على كثير من الإقتباسات المفيدة و المُعبِرَة و الكثير جداً من الكلمات التي أعجبتني و أبيات شعر أسرتني و كلمات و أفكار آخري لم تعجبنِ و كنت أتجاول بين صفحات الكتب و بين تصفح الهاتف حتى وقعت على لحن بالصدفة بينما كان ( مشغل الموسيقى) الخاص بالهاتف يعمل فتحرك في قلبي شعور ربما فقدته قبل أكثر من عشرة أعوام، أنغام تغوص عميقاً في قلبك و تتخلل مكامن الإحساس، أنصت بهدوء و أعدت الإستماع مرة و إثنين و عشرة و في كل مرة يتضخم ذلك الشعور حتى شعرت بأنني خارج حدود هذا العالم بتناقضاته، ثم هبطت مع نهاية اللحن أردد مع أرخميدس ( وجدتها… وجدتها) .

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.