شبكة الراهن الاخبارية

كتابة و السلام..

*نزار عبدالله بشير

ها أنا ذا بعد كل هذه السنوات التي قضيتها في مطاردة الأحلام تجدني أحتضن قلبي وحيداً نازفاً من أثر السهام التي نفذت من جانبيه و تركته مثقوباً بفعل الأيام فما عادت عمليات الرتق تجدي؛ فمع كل موقفٍ جديد يتجدد الجرح، مع كل رحيلٍ جديد يتكرر النزف، مع كل خذلانٍ يحدث يُنكأ الجرح.. و هكذا حتى وجدت أنني إرتكبت جُرماً فظيعاً في حق هذا القلب…
ليتنا نتعلم من التجارب التي تمضي و هي تحمل بين طياتها الكثير من العمر، نحن نشيخ بصورة مذهلةو كأن العمر (يركب قطاراً سريعاً) تمهل يا هذا؛ ماذا فعلنا لنجد أننا قد فقدنا البوصلة و تهنا في بيداء قلوبنا و نحن لا نعرف لنا سبيل…
وحدها الكتابة كانت المُسلي في هذه الرحلة التي لا ندري متى ستتوقف، و لكنه أمر الله، و الحمدلله على كل حال.. نحن في هذه الحياة عابرين و لن نمكث طويلاً مهما طال الوقت ما هي إلا لحظات إنتظار و تنقضي و نقلع صوب رحلةٍ جديدة..
و لكن في كل الذي مضى من العمر، كنا نجد من الكتابة شهيقاً إضافياً حين تخون الرئة فنختنق بالبكاء فنتنفس ما إستطعنا من أكسجين ثم نجد أننا قد سودنا صفحات الورق التي كانت قبل لحظات فقط آهلة بالبياض؛ ربما يفسر ذلك كم الحزن الذي دلقناه عليها، لنخفف من وطأة الأحزان على قلوبنا التي ما عادت تحتمل…
كنت أتساءل أحياناً عن هولاء الذين صمدوا أمام كل تلك العواصف التي مرت بحياتهم كيف إستطاعوا المقاومة حتى الرمق الأخير، الذين إن لمحتهم للمرة الأولى ترى ظلالاً رمادية اللون تحت أعينهم حتى تظن لوهلةٍ أنهم قادة حروب يمتلكون أعين الصيادين التي لا تخطئ النظر و لا التصويب، و لكن إن أمعنت النظر فيها تأكد لك أثر الحزن الذي رسم ظلالاً على تلك العيون؛ التي بكت رغم صمودها الذي تدعيه…
تعود من جديد لذهني الأسئلة و تجتاح قلبي المخاوف معها.. !!
لماذا نتمثل القوة في لحظات ضعفنا؟ ألسنا بشر و نحتاج لإستراحة محارب؛ نحتاج لأن نعانق الذين نحبهم و نبكي طويلاً عندهم و نتحدث كالأطفال و نهذي بكل مخاوفنا و فواجعنا، أن نتحدث عن كل شئٍ حتى توقعاتنا الساذجة لنجدد لهذا القلب قوته و نستعيد أراضينا من جديد في معركتنا القادمة أمام الحزن و ما معه..
لماذا ندعي الشجاعة و نحن نتآكل من الداخل؛ نتفتت كقصر الرمال ذرةً ذرةً حتى إن حان وقت الإنهيار نمثل أننا أقوياء و نتدارى خلف إبتسامة باهتة حتى أبسط الناظرين يعرف أنها تخبئ خلفها ألمٌ عظيم.. !!
هل كنا نحتاج كل هذا الإدعاء أمام أنفسنا حتى قبل الذين نحبهم لنبث أننا إنتصرنا على الحزن و الحياة؟ هل كنا مكابرين لتلك الدرجة التي تجعلنا نقر بهزيمتنا أمام الحزن بجولة مقارنة بكل الجولات التي إنتصرنا فيها، ماذا كسبنا بهذا التمثيل و الإدعاء غير الإنهيار الذي يجئ بفعل التراكمات التي تحدث مع مرور الوقت…
ها أنذا أعود و بعد كل هذه السنوات لأكتب ككل مرة محاولاً قول شئ واحد، و بعد إستهلاك مئات الأحرف أجدني لم أتفوه بشئٍ مما أردت..
الله المستعان.
يوليو 2021

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.