كان تصريح سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة “ليندا توماس” هو الأخير حتى السبت ضمن ردود أفعال توالت بعد أن أعلنت لجنة من خبراء الأمن الغذائي في تقرير صدر الخميس “أن الحرب في السودان و القيود المفروضة على تسليم المساعدات تسببت في مجاعة بمعسكر زمزم للنازحين”.
المسؤولة الأمريكية وصفت الأمر ب “الخطير” بعد “إعلان المجاعة رسميا في معسكر زمزم للنازحين في شمال دارفور، و الذي يضم أكثر من 500 ألف نازح”، مضيفة بأنه “يتعين على قوات الدعم السريع و القوات المسلحة السودانية إزالة الحواجز أمام المساعدات، و السماح بوصول الغذاء و المياه و الأدوية بحرية عبر الحدود و خطوط الصراع، و المشاركة في المحادثات بغية التوصل لوقف إطلاق النار”.
المبعوث الأمريكي الخاص للسودان “توم بيرييلو” علق في تصريح نقله موقع وزارة الخارجية الأمريكية على تقارير إعلان المجاعة بمعسكر زمزم للنازحين بشمال دارفور بأن “الإجراءات التي اتخذتها القوات المسلحة و قوات الدعم السريع و رفضهما السماح بوصول المساعدات و الإصرار على القتال قد تسببوا بأزمة الجوع هذه”.
تصريحات “بيرييلو” كان قد سبقها الجمعة بيان من مكتب الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية السودانية جاء تعليقا على بيان منظمة “أطباء بلا حدود” بشأن احتجاز الدعم السريع لشاحنات المنظمة و التي تحمل الأدوية و المواد الغذائية و العلاجية للفاشر و معسكر زمزم منذ نحو شهر.
بيان الخارجية السودانية حمل الدعم السريع مسؤولية “انتشار الجوع في معسكر زمزم”، نافيا صحة أي زعم بأن عدم استخدام معبر حدودي بعينه هو سبب عدم وصول الإغاثة للمحتاجين، داعيا إلى “موقف دولي حازم تجاه المليشيا و داعميها”.
في الخامس و العشرين من يوليو الماضي شكك وزير الزراعة و الغابات السوداني في البيانات المسنودة من الأمم المتحدة، و التي تحدثت عن أن 755 ألف شخص يعانون من جوع كارثي، مؤكدا بأنه ” لا توجد مجاعة في البلاد، و أن ما يحدث لا يمكن تسميته بالمجاعة”.
و أضاف الوزير الذي كان يخاطب الصحفيين في بورتسودان أن الحكومة السودانية “ترفض أي أوامر بتجاوز قيود التسليم عبر الحدود، كما أنها ترفض فتح حدودها بالقوة، لأن ذلك قد يفتح الحدود أمام الدول المتعارضة و الحدود التي تسيطر عليها المليشيات”.
اندلعت الحرب في السودان في 15 أبريل 2023 بداية بالعاصمة الخرطوم، و سرعان ما طال القتال ولايات أخرى منتجة للحبوب الغذائية؛ مما دفع المنظمات التابعة للأمم المتحدة للحديث مبكرا عن توقع فجوة غذائية قد تؤدي إلى مجاعة، و هو أمر نفاه وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم في حينه، مؤكدا أن الأزمة مردها إلى إيجاد مواعين وطرق لتخزين و نقل الحبوب إلى الولايات التي تأثرت بالحرب.
وزير الزراعة السوداني أبوبكر عمر البشرى كشف في تصريحات في 17 أبريل عن تراجع المساحات المرصودة للزراعة إلى 36 مليون فدان بدلا عن 46 مليون فدان، مبينا تأثير الحرب البالغ على الزراعة و المحاصيل النقدية، مرجعا ذلك لامتداد الحرب إلى ولايات منتجة للغذاء تشمل ولايات دارفور الخمس، و ولايتي غرب و جنوب كردفان، و الجزيرة، و الخرطوم.
وزير الزراعة السوداني أشار في تصريحاته تلك إلى زراعة 220 أو 250 ألف فدان فقط من القمح، من جملة مساحة 650 ألف فدان؛ لسبب أرجعه لسيطرة الدعم السريع على أجزاء واسعة من ولاية الجزيرة، و نهب المحاصيل فيها و الآليات الزراعية، فيما كشف عن زراعة 23 مليون فدان بالذرة و الدخن، و إنتاج نحو 3 ملايين طن من الذرة الرفيعة.
اليوم و مع اشتداد الأزمة و بلوغها مبلغ المجاعة بمعسكر زمزم للنازحين قرب الفاشر طالبت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة المانحين الدوليين بزيادة الدعم لمعالجة النقص المستمر في التمويل، حيث تقول بأن الوصول المستمر لملايين النازحين و اللاجئين يؤدي إلى إجهاد المجتمعات المضيفة.
و شردت الحرب المستمرة في السودان نحو 10 ملايين شخص بشكل قسري من منازلهم و مناطقهم منذ بدايتها العام الماضي، و الكثيرون منهم من منتجي الغذاء أصبحوا منذ فرارهم و تحولهم إلى نازحين و لاجئين يعانون الافتقار إلى أبسط الخدمات، مع تزايد الكارثة الإنسانية التي وصفتها المفوضية ب “الأكثر إلحاحا” في العالم.
مراقب الغذاء العالمي الذي أعلن الخميس عن المجاعة في معسكر زمزم للنازحين يتحدث عن 25 مليون شخص بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، و هم بحسب التقديرات نصف السكان، أما معسكر زمزم المنكوب فلم تصله المساعدات منذ شهور، حيث يحذر التقرير من حدوث ظروف مماثلة في معسكرات أخرى كبيرة في دارفور ، كمعسكري أبو شوك و السلام.
يقول تقرير مراقبة الغذاء العالمي إنه في أواخر يونيو وجدت عملية IPC بقيادة الحكومة السودانية أن 14 منطقة في السودان معرضة لخطر المجاعة شاملة أجزاء من الجزيرة و الخرطوم في الوسط و كردفان.
طبيعة الحرب في السودان بدت منذ أيامها الأولى، إذ ظهر أثرها الواضح على حياة المدنيين، من خلال تعرضهم للقتل بالقصف العشوائي و احتلال منازلهم ونهب ممتلكاتهم و التعرض للمنشآت الخدمية التي يحتاجون إليها كالمستشفيات و المراكز الصحية بالتدمير، إلا أن طول أمد الحرب مع ضعف إمكانات المجتمعات على الصمود سارع من تفاقم الأزمة.