نزار عبدالله بشير
تظهر آثار التغييرات المناخية على العالم يوماً بعد يوم، و تكشف الأبحاث و الدراسات خطورة النتائج المترتبة على تلك التغييرات على الأفراد و المؤسسات و الدول، و تتجلى خطورته على الدول النامية، و يعتبر السودان من الدول الأكثر تعرضاً للتغييرات المناخية و آثارها مستقبلاً؛ حيث أورد مركز الشرق الأوسط للشؤون الدولية في تقريرٍ صحفي مطول عن التغييرات المناخية في السودان أنه ” يظهر علامات واضحة على قابلية التأثر بتغيّر المناخ…“، و ذكر التقرير أنه وفقاً ” لمصفوفة مبادرة التكيف العالمية لجامعة نوتردام (GAIN – ND) 8 فهو يأتي في المرتبة الثامنة من حيث قابلية التأثّر بتغير المناخ من أصل 185 دولة في العالم، يأتي في المرتبة 175 من حيث الاستعداد، ما يضعه في المربع العلوي الأيسر من المصفوفة، ما يشير إلى وجود تحدياتٍ كبرى و حاجة ملّحة لاتخاذ الإجراءات.. “
ظهرت آثار التغيّرات المناخية في السودان باكراً حيث شهد السودان منذ العام 2020 و حتى العام 2023 فيضانات مدمرة أحدثت الكثير من الخسائر في الأرواح و الممتلكات في عدد من مناطق البلاد المختلفة، أشهرها تلك التي حدثت و تحدث باستمرار في منطقة (ود رملي) شمال مدينة بحري، و المناقل بولاية الجزيرة، و نهر النيل، و النيل الأبيض، و غيرها من ولايات السودان المختلفة.
في أغسطس من العام 2022 أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (الأوتشا) ” بأن الفيضانات الناجمة عن الأمطار الغزيرة المتساقطة منذ أيار/مايو في السودان شرّدت نحو 136 ألف شخص في البلاد، اعتبارا من 14 آب/أغسطس، وذلك نقلا عن مفوضية العون الإنساني الحكومية والمنظمات الإنسانية العاملة في الميدان والسلطات المحلية.“
يأتي ذلك نتيجة لغياب التدخلات الاستباقية من الأجهزة المختلفة الحكومية والإعلامية؛ الأمر الذي قد يحدد من التأثيرات الناتجة عن هذه الفيضانات، كل ذلك بفعل الهشاشة السياسية التي تعاني منها البلاد، إذ لم يستقر نظام الحكم في السودان منذ العام 2018 الذي عقب سقوط حكومة البشير، بعدها دخلت البلاد في حالة من عدم الاستقرار السياسي، إنتهت بحرب الخامس عشر من أبريل من العام2023.
في العام 2023 نشر برنامج الأمم المتحدة للبيئة تقريرا أورد فيه أن تغير المناخ، الذي يوصف غالباً بأنه ’’عامل مضاعف للأخطار‘‘، يضاعف من العبء الملقي على عاتق الأشخاص، وأصبح هطول الأمطار أقل انتظاماً، بينما أصبحت الفيضانات و الجفاف أكثر تواتراً.
يأتي هذا في أعقاب مؤشرات كثيرة يمكن أن تساهم في زيادة حدة التغيرات المناخية في البلاد، و بالتالي التسريع من نتائجها على البلاد وعلى الإقليم، من ذلك تأثير سد النهضة الإثيوبي، و التحولات التي يمكن أن يحدثها في المنطقة؛ فقد ” حذر خبراء من الأمطار الغزيرة أو الفيضانات المفاجئة، التي تستلزم الإفراج عن كميات كبيرة من المياه من السد الأثيوبي، قد تضع سدود السودان تحت ضغط لا يمكنها تحمله.“.
فيما نقلت وكالة (شينخوا) في سبتمبر 2022 قولها عن خبراء سودانيين بإن ” السودان قد دخل في حزام الأمطار الغزيرة التي تحدث فيضانات كبيرة منذ 3 عقود .“
في الوقت الذي تحذّر فيه التقارير المناخية الصادرة عن مؤتمرات المناخ و الدوريات العلمية من أن السودان يقع على رأس الدول الــ65 الأكثر عرضة لتغيرات المناخ؛ إلا أن الجهود المناخية في البلاد ما تزال ساكنة، فقد مرت سنوات من الهشاشة السياسية في البلاد، و عدم استقرار نظام الحكم، الأمر الذي يعطل الجهود الرسمية الرامية للتقليل من حدة الآثار للتغييرات المناخية.
يقول المجلس الأعلى للبيئة و الموارد الطبيعية في السودان في بيانه الصادر في العام 2023 عن المستشار الوطني في مجال المقننات المائية و ميسر الورشة دكتور بشير محمد آدم إن أغلب دراسات التغيرات المناخية تشير لنقصان الأمطار و زيادة في درجة الحرارة في المستقبل القريب و البعيد .
بينما يتوقع العلماء أن درجات الحرارة في السودان ستواصل الإرتفاع بشكل خطير، و قد ظهرت نتائج هذه التوقعات من خلال الأعوام الماضية، حيث أظهرت الإحصائيات الصادرة في العام الماضي عن زيادة ملحوظة في درجات الحرارة؛ في يوليو من العام 2023 ذكرت مصادر صحفية أن ولاية البحر الأحمر وحدها شهدت 13 حالة وفاة نتيجة الإصابة بضربات الشمس، وبلغت عدد الإصابات 36 حالة.
و وفقاً لبحث أجرته يونسيف في أكتوبر من العام 2022 ”أنه بحلول عام 2050، من المتوقع أن يتعرض جميع أطفال العالم تقريباً الذين سيبلغ عددهم 2.02 بليون طفل لتواتر مرتفع لموجات الحر.“، الأمر الذي سيضاعف من تأثيرات المناخ على البلاد، حيث من المتوقع المزيد من حالات الإصابة بضربات الشمس، هذا يضاف إلى خطورة توالد أسراب الجراد الصحراوي، الأمر الذي يهدد المواسم الزراعية في السودان؛ في بلد يعاني من انعدام الأمن الغذائي وفق ما أوردت منظمات الأمم المتحدة؛ حيث قال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم للمتحدة: يواجه ما يقارب 18 مليون شخص في السودان انعدام الأمن الغذائي الحاد؛ نتيجة للحرب الدائرة في البلاد منذ الخامس عشر من أبريل 2023، و صعوبة إيصال المساعدات الإنسانية للمناطق التي تقع تحت وطأة الصراع.
فيما تشير التقارير الزراعية الواردة من وزارة الزراعة بتأثير الحرب على الموسم الزراعي في السوان، حيث خرجت عدد من الولايات منها الخرطوم و دارفور و كردفان نتيجة تأثرها بالحرب، فيما أكدت وزارة الزراعة في مؤتمر صحفي عقدته في العام 2024 بأن إنتاج الذرة الرفيعة انخفض بنسبة 42% عن العام السابق إذ قُدِر إنتاجه هذا العام بثلاثة ملايين طن، فيما تراجع إنتاج الدخن بنسبة 64% عن إنتاج العام 2022.
يشغل الصراع الدائر في عدد من المناطق في السودان الحكومة عن الانتباه لتلافي أثر التغييرات المناخية التي يمكن أن تؤثر على قطاع الزراعة و المياه بصورة رئيسية وعلى الحياة بصورةٍ عامة، كان السودان قد أبان خطته لتلافي آثار التغييرات المناخية في العام 2023، الخطة التي تم إعدادها في العام 2016 و ركزت على قطاعات الزراعة، المياه و الصحة، و التي هدفت لتقليل الهشاشة من خلال برامج التكيف و زيادة المرونة و دمج موضوع التغير المناخي في السياسات و القوانين..
و السودان الذي لا يزال يعاني صراعاً في عدد من الأقاليم منذ العام 2023، تتبدد فيه الجهود الرسمية لمقاومة أثر التغيرات المناخية، فيما تنشأ تخوفات من أن آثار الحرب يمكن أن تساهم في زيادة مضاعفات التغيرات المناخية إذ أن الحرب ومخلفاتها تركت دماراً بيئياً كبيراً، و أحدثت إخلالاً في التنوع الحيوي مما قد يؤثر مستقبلاً على شكل الحياة في كثيرٍ من المدن التي شهدت الحرب الأخيرة، في الوقت ذاته يسعى المختصون في الدولة و المنظمات المختلفة لتجهيز مشروعٍ لمجابهة أثر التغيرات المناخية، فهناك مشاريع كثيرة منها ” مشروع المجلس الأعلي للبيئة و الموارد الطبيعية (الجاهزية لخطط التأقلم مع التغيرات المناخية) الذي تنفذه منظمة الأغذية و الزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) و الذي تشارك فيه كل من الهيئة العامة للإرصاد الجوية بوزارة الري و الموارد المائية، الإدارة العامة للمراعي و العلف بوزارة الثروة الحيوانية، كلية علوم الجغرافيا و البيئة بجامعة الخرطوم، المعمل المركزي البيطري للبحوث بوزارة الثروة الحيوانية . و بدأ تنفيذ المشروع في العام 2021 في كافة ولايات السودان. قام المشروع بالتعاون مع الهيئة العامة للأرصاد الجوية بتحديد الفجوات في البيانات المناخية و التي يستفاد منها في قطاعات الزراعة، المياه و الثروة الحيوانية. و من ثم قام بإعداد الإسقاطات المناخية لدرجات الحرارة بشقيها العليا والدنيا، و كذلك كميات الأمطار للفترتين المتوسطة 2021 2050( والطويلة )2080-2051 ) للسيناريوهين 4.5RCP و 8.5RCP. و من هذه الإسقاطات يمكن إستقراء أن تأثير التغيرات المناخية علي السودان غير متجانس فيما يخص الأمطار، إذ تتأثر مناطق أكثر من غيرها بقلة أو زيادة كميات الأمطار، أما درجات الحرارة فسوف تكون مرتفعة في معظم أجزاء السودان خلال فصل الصيف و تكون دافئة في فصل الشتاء.
يعمل الخبراء في المشروع علي تحديد المناطق المتأثرة
بتقلبات الأمطار و درجات الحرارة بصورة مفصلة حتى تتمكن كافة الولايات في المستقبل القريب من وضع خططها الولائية للتأقلم مع التغيرات المناخية في قطاعات الزراعة، المياه و الثروة الحيوانية. “ بحسب إفادة الأستاذ عمار مختار ، المستشار الوطني لمشروع الجاهزية للتأقلم مع التغيرات المناخية، فيما تم التوافق عالمياً على خفض الإستهلاك العالمي للوقود الأحفوري تجنباً لعواقب تغير المناخ السيئة وتم إنشاء صندوق للتمويل المناخي لسد فجوة التمويل المناخي، في إنتظار مجهودات الدول لتخفيف من آثار التغييرات المناخية المتوقع حدوثها مستقبلاً.
نزار عبد الله بشير.
أبريل 2024.