نزار عبدالله بشير
ككل الذين وقفوا عاجزين أمام وصف شعورٍ ما، أقف متأملاً و حائراً حيال ما يحدث في هذا العالم، أمام هشاشتنا في واقعٍ يدعوا للصلابة و الجمود كل يوم…
تجدني أقف بين كل لحظةٍ و آخرى متأملاً هذه الحياة المرهقة التي يكابد و يشقى الجميع فيها، و يدهشني كم التناقض التي تحويه و الناس فيها، كل يومٍ هم في شأن لا يردعهم رداع و لا يردهم شئ عن ما هم ماضون في سبيله..
حروب، دموع، خصام، لقاء، إنتحاب و إبتسامات على نواصي الطرق و الأرصفة.. كل ذلك يقف عاجزاً و ينتهي أمام الموت.. كيف ننسى و نغفل لدرجة أن لا نعير الحياة إهتمام.
حاول أن تتذكر الآن كل الراحلين الذين تعرفهم؛ ستجدهم هناك على إحدى زوايا القلب يبتسمون و يضحكون، يمازحونك مرحين، في أبهى صورهم؛ الذاكرة لن تبخل عليك بهم.. كل هؤلاء كانوا يظنون أن الموت شئ بعيد حتى داهمهم في حين غفلة؛ و لكن هو قدر الله حين يجئ لا رادٌ لأمره.. فإن كانت هذه النهاية لكل أحد في هذه الحياة، فلماذا كل هذا اللهث المستميت وراء أشياء نظن واهمين أن الحياة لا تمضي بدونها، و إن طال حرماننا منها؛ أَلِفنا غيابها و كان حضورها و غيابها سيان، و إن كانت هذه النهاية الحتمية مجهولة الحضور، كيف لنا أن نكون هذا الغباء و نفسد متعة اللحظة و نبيعها مقابل وهمٍ لا وجود له سوى في أخيلتنا….
هناك في زوايا الخافق أحاسيس تنبت بين وقتٍ و آخر؛ هذه المشاعر ترهقك كثيراً بالتمني و التَصَوّر فتقذف بك بعيداً في سموات الخيال، و ما إن تشعر بأنك قد وصلت إلى أبعد نقطةٍ من هذا الذي أنت فيه حتى تهوي بك إلى أدنى درجات الواقع المؤلم، فترتد عن أحلامك و أمنياتك و مشاعرك التي خبأت لها الفرح و السعادة و اللحظات الماتعة من عمرك..
أنت تخاف من كل شئ، علمتك الحياة أن الفرح إذا إجتاحك حتى دمعت عيناك من الضحك ستباغتك بالرحيل و الفِراق؛ لذلك ما إن يمسسك الفرح إلا و إنقبض قلبك خوفاً من المجهول الذي سيأتي في قادم اللحظات..
تخشى الحُب، لأن كل الذين أحببتهم و رهنت لأجلهم سنوات عمرك التي خلت مضوا حاملين شذى تلك الأيام، أما رحيلاً، أو خذلان.. و تتذكر كم من الوقت قضيته تتأمل في محاولة لإستيعاب ما حدث… و بقية العمر لتتعافى من تلك الخيبات، فكيف تعيد ذات الخطأ و تُلذغ من ذات الجُحر مرتين..
تهاب التغيرات الجديدة؛ فكل التجارب علمتك أن ثمة ثمنٍ تدفعه مقابل كل خطوة للأمام و أنت دفعت الكثير حتى تظن أنك لم تعد تملك سوى القليل الغالي الذي تخشى ذهابه، فأين العقل في المخاطرة بما تبقى..
تخاف أن ترهن قلبك لشعورٍ جديد، و أنت الذي تعلمت من صفعات الحياة أن وراء كل خفقة قلب خلان متوقع و رحيل يتربص على ناصية الأيام، فكيف لك أن تواجه ذاك وحدك، بل كيف تقاوم فكرة أن تمنح الذين تحبهم تذكرة غياب أبدي.. مجرد الفكرة مخيفة.. فكيف بتجربتها…
يعتمل في هذا القلب ألف شعورٍ و شعور، و أنت تقف متأملاً مسيرة العمر الذي مضى.. تملأ الدموع محاجر عينيك و تخشى أن يفضحك ضعفك أمامهم ذات مرة و تنهار باكياً فتخبئ كل هذا بعيداً عن الناس؛ ليسِّح الذي فاض على الوسادة ليلاً، و تنهض في الصباح ملماً بقايا جرحك و تمضي في سبيلك تنتظر القادم المجهول..
لله ما في القلب..
ألف شعورٍ يعتمل، و بقايا من ذكريات و أحلام على جوانب العمر المتبقى تحتاج لكثير جرأة لتتحقق..
لله ما في القلب..
نزار عبدالله بشير
أبريل 2021