شبكة الراهن الاخبارية

ممهورة بقبلة الوداع الأخير

ممهورة بقبلة الوداع الاخير ..
رسالة إلى روح أبي.

صلاح محمد طه.

إلى روح أبي في العلياء .. أكتب و هي ترفل في نعيمها السرمدي بإذنه تعالى .. أخط أسطر حروفها إلى روحه الطاهرة .. فأكتب إليها رسالتي في العيد بضمير وفي و قلب نقي .. أبث إليها لواعجي و هي في برزخها تنظر من عل إلى بذوره التي غرسها في الأرض و مضى في رحاب الله ينشد الراحة بعد رحلة طويلة و مضنية ..
إليك أبي .. و أنت في عليائك عند مليك مقتدر .. أمد إليك سطور حسي .. وكلمات شوقي .. ومتون تحناني .. هي كلمات ليست كالكلمات .. لأنني بالحب مهرتها .. و بمداد من نور النجيمات البعيدة غسلتها .. و ذلك حتى تراها بعيون غير عيوننا الدنيوية الشاخصة .. و لتحسها بأحاسيس أهل الجنان الرقيق ..
إليك أبي .. أكتب رسالتي في العيد .. أعلم أنك في عوالم غير التي تركت .. و غير التي نراها و نحسها و ندركها .. و أعلم تماما أنك في مزاج يفوق أحاسيسننا الآنية الخجولة .. و لكنك و بإحساس الأبوة الدنيوي القديم ستشعر بطعم أحرفي و مذاقها الذي يفوح بالأشواق .. و يضوع أيضا بالفقد و الالتياع .. والضياع ..
أنت يا أبي من علمتنا قدسية حب الحياة .. و أنت من غرست فينا قيم الدين .. و الحق و الخير و الجمال ..
إليك أكتب يا أبي .. و في قلبي لك من المحبة ما يفوق الكم و الكيف .. و بداخلي من الذكريات و المواقف ما لا تحتمله الأسطر و ما لن تفيه الجمل .. و لكن ، إن هي إلا محاولات لا تلبث إلا أن تتبخر و تتقازم أمام عظيم ما قدمت و جليل ما صنعت .. فنحن نشهد بأنك قد أديت الرسالة الإنسانية كما ينبغي أداؤها .. و قد أديت الأمانة الأبوية كما يجب أن تكون ، و أملنا أن تنال من الله الرضى و الثواب ..
أذكر جيدا يا أبي أنني عندما هممت ليلتها بالمغادرة إلى مهجري الاختياري .. طلبت عفوك ورضاك عني وقتها و أنا على مشارف محطات الوداع .. فكم كنت كريما و فضيلا علي بهذا العفو .. و كم كنت حنونا و أنت تقول لي (العفو لله و للرسول) .. لقد كنت كريما معي حد الكرم و نبيلا غاية النبل .. فقمت بطباعة قبلة علي جبينك الأغر عنوانا للتقدير و رمزا عن الرضى .. لكنني ما كنت أدري أنها ستكون قبلة الوداع الاخيرة ..
أبتي .. لقد غادرتنا إلى الدار الآخرة في اليوم التالي سريعا قبل أن أصل الي بلاد الغربة البعيدة .. الآن عندها فقط أدركت سر بكائي المرير و أنا بين السماء والأرض لحظة صعود و إقلاع الطائرة باتجاه الفضاء الرحيب .. و صدقني يا أبي فلو كنت أدري أنها قبلة ستكون قبلة الوداع الأخيرة لتركت فمي في جبينك إلى الآن .. لكنها مشيئة الأقدار هي .. (فما تدري نفس ماذا تكسب غدا .. و ما تدري نفس بأي أرض تموت) ..
يجئ هذا العيد يا أبي دون الأعياد السابقات .. فأنت بعيد عنا .. مضيت إلى حياة أبدية أخرى .. فاذا العيد يجئ هذه المرة حزينا و غير ذي طعم .. و باهتا بلا لون ولا طعم و لا رائحة .. كيف لا و قد كنت أنت (حلوته) التي نتذوق طعمها صبيحة يوم العيد .. و كنت (خبيزه) الذي يزداد طلاوة عندما تقدمه أنت بيديك الكريمتين للآخرين .. لكن تأكد تماما يا أبي .. بأنك ما زلت جميلا بيننا .. و ما برحت روحك الطاهرة تسكن فينا و في ارجاء منزلك الذي أسسته على بر و تقوى ..
أبي .. لا أملك في هذا العيد إلا أن أسأل الله لك القبول .. و الرحمة و المغفرة .. و أن ينزلك المولى عز وجل نزل الصديقين و الشهداء .. آمين يا رب العالمين ..

صلاح محمد طه.

الولايات المتحدة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.