شبكة الراهن الاخبارية

كلمات ماتت معانيها

الكلمات ما عادت تحمل معانيها و أن كل شئ تغير..
حتى تلك الكلمات التي كنت تتصب عرقاً حين تسمعها.
ما عادت تعني شئ …
كـالنداءات التي كان قلبك يخفق لها حين تسمع أحدهم ينادي بها …
يا قلبي…يا حبي…يا عمري
هي ليست سوى مجرد أحرف لا تعني شئ إطلاقاً…
لا تحمل معانيها ..لذلك يردوونها و يطلقونها على الكل…
لا شئ يعني ذاته البتة، كل المفردات تنّصلت من معانيها صارت مجرد حروف تعبر الكلمة كما يعبر الهواء من النافذة، بل و أحياناً تٌستعمل الكلمة لتعني ضدها.
كم من الكلمات مَر عليك منذ وعيت على هذه الدنيا؟ الكثير منها ربما لم تدرك معناه و الآخر أدركت معناهُ متأخراً و أنت تتمسك بحقك في نطق الكلمة حتى يحين موعدها؛ لأنك تؤمن أن الكلمة التي لا يصدقها ضميرك أولاً تكون كذبة مهما جمّلتها.
و يسألك ناقمٌ : و ماذا يعني إن كان الناس ينطقون الكلمات الجميلة تطييباً للخوطر؟ و لماذا تحمّل الناس كل هذا و في الآخر هو مجرد كلام؟
معذورون يا عزيزي …
هم لا يعرفون ضرورة أن تعني الكلمة معناها الذي خُلقت له، أن لا تقال إلا حين تحقق شروط خروجها؛ لأن ذلك يُعد كذباً و الكذب يفسد الكثير. هم لا يعلمون أن هذه الكلمة قد تفسد حياة بأكملها …
ـ كيف ذلك؟
لنهب أن أحداً قال كلمة لا يقصد معناها، أو قالها دون أن يريدها، فقط قالها هكذا و إنتهى الأمر، و لتبيين ذلك فلنعتقد أنه نطق الكلمة مرتين لشخصين مختلفين قال الأولى لزوجته ( أنت طالق) و قال الآخرى لفتاة ( أنا أحبك) في الأولى يُبنى عليها الفِراق و في الثانية تُقوم عليها الحياة؛ كل هذا الأحداث بما تحمل من مشاعر و تغييرات في حياة الإخرين بُنيت على كلمات لم تحمل معانيها أُطلقت من شَخص عبثاً و جهلاً.
( تستاهل)
حين تنطقها أنت تعنيها تماماً بكل ما تحتمل من معاني و ربما تآويل، تقصد أن الشخص هذا يستحق ذاك الذي فعلت، تعني أنه جديرٌ بالذي فعلت من أجله بلا ندم، و هذا يقابله بأن هذا الشخص يقدِّر قيمة الذي فعلت أنت بنكران ذات و أنه ممتن للذي تفعله من أجله. لأن ذلك إذا إنتفى أفرغت الكلمة من معانيها و قابلها أن الذي أُخذ هو ( حقٌ مُسترد) و أن ما فعلته و ما قدمته هو العادي و إن قدمت المستحيل؛ و ليس هناك أكثر ألماً من أن يُقابل مجهودك بالنكران و يٌعتبر أن هذا واجبك في حين أنك تقدم فوق ما تستطيع و تجتهد حتى لا تترك مساحة للقادمين من بعدك و يراهُ الذي فعلت من أجله أنه ما ينبغي عليك فعله بل و يظن أنك إن لم تفعل مقصر.
( أحبك)
هذه أخطر كلمة، كأنها الجنة و قد حُفت بالمكاره، و كأنها النار و قد حُفت بالشهوات. تحمل معاني الحياة و الموت، دائماً تحمل النقيضين من كل شئ؛ السعادة و الحزن، الفرح و التعاسة، الألم و اللذة و كل التضادات التي تعرفها و التي لا تعرفها و أنت حين تُحِب عليك أن تختار النقيض الأجمل و تقدمها للآخر، هي كلمة تترتب عليها ( حياة) مربوطة بكل الأحاسيس التي تتبعها من يوم أن خلقت، وراءها المعاني التي يمكن أن تُحلِّق بإنسان في الثريا أو تدفنه في الأرض السابعة، إن نطقتها يجب أن تعنيها أن تحمٍّلها معانيها التي تحمل و إن خرجت عبثاً غيرت حيات الناطق و السامع و حولتها للجحيم أو ربما للأسوأ.
هذه الكلمة ( العَالم) و السِر الغامِض المخيف و كأنها أحد الطلاسم القديمة كل ما مر عليها الزمان زادها تعقيداً و بساطة هي المفردة الوحيدة ربما التي قد لا تكون ( حمّالة أوجه) .
( إنتهينا)
ما الذي تعرفه عن هذه الكلمة؟ ربما قلتها كثيراً أو سمعتها أكثر، تقال حتى في نقاشات الأصدقاء بين الناس في الشوارع، بين البائع و المشتري و هما يتفقان على السِعر. كثرة إستخدام الكلمة لا يفقدها معناها و لكن يجعلها سهلة النطق و الإستخدام و كثيرة التكرار و هو ما يفرغها من معانيها…
حين تقال كلمة كهذه يجب أن تكون قد كررتها بينك و بين نفسك عشرات المرات و جربت وقعها في النفس كيف يكون؟ و جلست تتأمل الليالي لتعرف ما يترتب بعدها على قائلها. و آن قلتها يجب أن تعنيها؛ لأن لا تراجع بعدها. هي كلمة كالموت ( نهاية) فهي الحد الفاصل بين الأشياء و إستمرارها…
هي خطيرة لأن الحياة بعدها لا تشبه الحياة قبلها فإن أُفرِغت من معناها أصابت بعض شظاياها السامِع في غير مقصد و هذا لعمري من الأذى.
ما يؤسف أن هذا العالم لا تعنيه الكلمات فهي أكثر شئ يستهلكه يومياً لأنه لا يخشى نفاذه، لأنه يعرف أن مورده لا ينضب و هو يعي تماماً أنه المتحكم الوحيد في ذلك المخزون و بالتالي يستهلكون منه ما أرادوا و يبصقون بقايا الكلمات العالقة على الآخرين دون أن يهتموا ( بمعانيها) فهي في إعتقادهم مجرد كلمات و ما الذي تعنيه الكلمة؟ و ما الضرر الذي يمكن أن تسببه الكلمة لقائلها.
يستخدمونها دون أن يريدون معناها لأنه يعتقدون أنه مخزون لا ينفد و لكنها فاجأتهم حين أستهلكوها كثيراً أفرغت من مغانيها و صارت كمن يبيع وهماً إناء العسل فارغاً على أنه أثمن البضائع.

نزار عبدالله بشير
9 يونيو 2020

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.