شبكة الراهن الاخبارية

يا حليل محبتنا

يا حليل محبتنا.. !!

وقف مجموعة مِن المَخذولين والَمجروحين والمُفَارَقين الحَزَانى يتقدمهم قائد، يواجهون ستةَ وأربعون مليون حزين ومجروح ومُفَارَق.. !

تراصفوا وراء قائدهم وفتحوا صدورهم للملايين المتهيبة للفعل ورد الفعل اللحظي، فأخرج قائدهم قلبه للجميع وتقدمهم صادحاً:
« يا حليل محبتنا..
ويا حليلها أيامها.. »

ورددت المجموعة من خلفه بصوتٍ واحد وقلوبهم مكشوفة الحزن والخيبات:
« يا حليل محبتنا.. »
فبكت الملايين بدموعٍ لم تُذرف مِن قبل؛ وكأنما إدخروها خصيصاً لهذه اللحظة.

في إعتقادي أن أحن تعبيرٍ إبتكرته (العامية السودانية) ليصف بدقة مشاعر القلب هو:

  • يا حليل.

فمنها ما تستخدمه الأمهات والحبوبات للتعبير عن الشوق فيقلن (يا حليلك.. ).

ومِنها ما يستخدم للتعبير عن التعاطف العميق فيقال:
( يا حليلك.. )

ومِنها ما يتم توظيفه بمعنى الشوق والوحشة فيقولون:
( يا حليلك.. )

فإذا أراد أن يتباكى الإنسان أو يبكي على شئ قد فقده أو تحسر عليه لن يجد أفضل مِن (يا حليل).. لذلك يستخدمنها النسوة في المناحات.

مِن جُملة ما غنى الراحل محمود عبدالعزيز كانت (الودعوا إرتحلوا) بمثابة مرحلة فاصلة في التعابير الغنائية المحتشدة بالشجن.. !!

مَنح محمود هذه الأغنية مِن شعوره ما جعل سماعها جالب للبكاء، حتى لتستحضر في لحظةٍ واحدة كل أحزانك في مكانٍ واحد.

يا حليل محبتنا.. !!
ليس مجرد تعبير عادي يمكن أن يمر في لحنٍ تم أداؤه وانتهى به الزمن في ذواكر الهاتف أو أشرطة الكاسيت؛ ولكنه شعورٌ باقي في كل النفوس التي فقدت ما أحبت يوماً ما.

  • لكل الذين فتحنا لهم قلوبنا فدخلوا دون شرطٍ أو قَيد، وأقمناهم هُناك دون طلبٍ أو تكلفة وحين وجدوا شيئاً مغايراً غادروا دون سابقة؛ يا حليل محبتنا.. !!

يا حليل محبتنا..
لكل الذين أحببناهم بعمق وتمنينا أن لا نفترق حتى الممات؛ فإختاروا طوعاً بُحجة الظروف الفِراق والهجران والتشظي.. !!

لكل الذين كان جزاؤنا منهم الخيبات والخذلان؛ بعد أن وهبناهم قلوبنا قرابيناً للحب، ومشاعراً زكاةً للصدق.. يا حليل محبتنا.. !!

لكل الطرق التي سلكناها سوياً في يومٍ ما، وشهدت ضحكاتنا وأصواتنا المرتفعة وتشابك آيادينا؛ ثم لم تعد الأيادي متشابكة ولا الضحكات صداحة ولا الطرق ذاتها ظلت.. يا حليل محبتنا.. !!

يا حليل محبتنا..
لكل الزوايا والمقاعد التي حفظت أسماءنا مِن فرط التلاقي والإعتياد، حفظت وجوها مِن كثرة المكوث، فلا عادت المقاعد باقية ولا الرفاق ها هُنا.. يا حليل محبتنا.. !!

لكل الأصدقاء الذين أخذونا معهم حيثما إتجهوا؛ فأصبحنا نصفين، نصفٌ هناك يريد أن يبقى ونصفٌ هنا يرغب في الرحيل.. يا حليل محبتنا.

للذين ظننا لوهلة أنهم طوق النجاة في عمرنا القادم؛ فغرقنا فيهم دون وعي، وسلمنا لهم دون مقاومة، ثم حين تملكونا هَجروا وهاجروا.. يا حليل محبتنا.. !!

لكل حبيبٍ تَرك محبوبه يقاسي الحياة لوحده، تركه للظنون والهواجس تلعب به، تركه قاصداً أو مجبوراً.. يا حليل محبتنا.

يا حليل محبتنا.. !
لمديتنا المحببة، لمنازلنا، لجامعاتنا للأسواق والأزقة، لكل شئ كان له في القلب مكان، فنزع مكانه ومضى؛ تاركاً فراغاً ينزف في القلب للأبد.

إبحثوا ما شئتم عن أسباب للرحيل ولكن ليست ثمة مبرر للخذلان أو الخيبة، فالأثر باقي ما عاش صاحبه.

وليت (يا حليل) تُعزي صاحبها عن ما أصاب قلبه مِن شعور ولكنها تعبيرٍ علّه يخفف من وطأة القسوة التي تفتك بالخَفاق.. !!

أكتبوا ما شئتم ما تعابير، أو إقتبسوا ما شئتم مِن مفردات؛ فليس هناك ما يواسي إنساناً فقد آخر أمنياته بلقاء عزيز قلبه وقرين روحه..

و .. حليلها أيامها.. !!

نزار عبدالله بشير
مايو 2024

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.