تقرير: إكرام مجتبى حيدر
آثار عميقة أحدثتها الحرب المستعرة في السودان على ولاية الخرطوم، خاصة في قطاعات الخدمة؛ المتمثلة في القطاعات الزراعية و الصناعية، و هو الأمر الذي أسفر عن خروج المواعين الإيرادية الحكومية من دائرة رفد الخزينة العامة بالموارد.
أثر توقف عجلة الإنتاج و الخدمات و عائدات التحصيل الحكومي بشكل كبير على ميزانية الدولة التي كانت تعتمد بشكل أساسي على العائدات الناتجة من الأنشطة الاقتصادية في الولاية.
في أكثر من مرأى و مناسبة صرح والي الخرطوم المُكلف، أحمد عثمان حمزة، بأن تدمير القطاعات الصناعية و التجارية و الزراعية و الخدمية بالولاية أدى إلى توقف المصادر الأساسية للإيرادات و خروجها من دائرة الاقتصاد.
و كانت أكثر إشارات الوالي وضوحا و صراحة اتفاقه مع ممثلي العاملين بالولاية و الذين توقف صرف رواتبهم لأشهر على إيفاد وفد يمثلهم لمقابلة المسؤولين الاتحاديين ببورتسودان، باعتبار أن حكومة ولاية الخرطوم لا تستطيع الإيفاء بمطلبهم؛ بسبب فقدانها لمواردها و اعتمادها على الدعم الاتحادي.
يشير والي الخرطوم إلى أن هذا الوضع أثر على ميزانية الدولة التي كانت تعتمد على العائدات الناتجة من الأنشطة الاقتصادية في الولاية، باعتبارها مركز الثقل لغالبية الأنشطة الإنتاجية.
اقتصاديون صرحوا في يونيو 2023 بأن توقعات الخسائر الاقتصادية الناجمة عن اندلاع الحرب بلغت نحو 100مليون دولار في اليوم، بواقع 9 مليارات دولار في الثلاثة أشهر الأولى من اندلاع الحرب في السودان، في حين أن قيمة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية بالمصانع و الأسواق و المباني و الممتلكات خلال نفس الفترة تقدر بنحو 40 مليار دولار أخرى.
قضت الحرب في السودان على أكثر من 600 مصنع كان قائما في الخرطوم، و أكثر من 193 مصنعا كانت تعمل بأم درمان من جملة ما يربو على 6100 مصنع في البلاد.
شبكة الراهن الإخبارية استطلعت المهندس عبد الفتاح الشيخ الاستشاري بوزارة الصناعة الاتحادية حول مدى أثر خروج هذه القطاعات من دائرة العمل، حيث يقول: إن غالبية القطاع الصناعي بمحاوره الأربعة؛ الصناعات الغذائية، و الصناعات المتنوعة، و صناعة الغزل و المنسوجات، و الصناعات الدوائية،
خرجت من دائرة الإنتاج بنسبة 90%، بعد أن تم تخريبها و تفكيكها و نهبها.
يضيف الشيخ بأنه يتعين على متخذي القرار و القائمين على أمر الاستثمار الصناعي أن يعملوا بتخطيط استراتيجي لإعمار القطاع الصناعي بالبلاد، كما أنه و بعد توقف الحرب يتوجب عليهم إجراء مسح صناعي شامل بمشاركة الجهات الفنية و الإدارية و منظمات الأمم المتحدة خاصة (اليونيدو) التي يقع عليها عبء المساهمة في خطة إعمار ما دمرته الحرب.
ويقترح الشيخ وفق الخطة الاستراتيجية البدء بخطة قصيرة المدى بالتركيز و دعم المصانع السليمة التي لم تضرر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه منها كأغراض صناعية سليمة، و منحها الأولوية في إعادة تشغيلها
لأنها لا تحتاج لجهد كبير.
في منحى آخر يقول المهندس مستشار العوض عباس مهدي رئيس مجلس إدارة مؤسسة المهندسين الزراعيين التعاونية:
إن هناك عوامل لابد من الوقوف عليها؛ مثل كيفية تمويل القطاع الزراعي، و ذلك يتطلب النظر في السياسات الاقتصادية الكلية، و يضيف بأن سياسة التمويل من الأمور المهمة، و أنه على السلطات التركيز على توفير المدخلات الزراعية و تمويل المزارعين في كل مراحل العمليات الزراعية، و تسهيل الحصول على وقود الزراعة خاصة في مناطق الزراعة الآلية بالقضارف، و مشروع حلفا الجديدة الزراعي.
و يرى مهدي أن تجاوز المرحلة بنجاح يمكن بتفعيل الحكومة للشراكات الاقتصادية و توجيهها نحو الزراعة في المناطق الآمنة، و تهيئة البيئة لإنتاجية وفيرة من المحاصيل النقدية؛ لسد حاجة البلاد و رفد الخزينة الوطنية بالعملات الصعبة.
ضرورة استمرار الحياة والعمل رغم الحرب، يراهما المختصون من الضرورات التي لا تقبل التأجيل، مقترحين عدداً من الأنشطة القابلة للتطبيق التي يمكن أن توفر عائدات سريعة، خاصة في مجالات الخدمات، و الاستثمار، و تطوير الأسواق و الموانئ البرية، و توجيه عائدات هذه الأنشطة لدعم المشاريع الخدمية و التنموية في الولايات، و ولاية الخرطوم بشكل خاص؛ من أجل تعويض ما طالته يد التخريب و الدمار.