شبكة الراهن الاخبارية

دموعٌ على أعتاب العيد

بقلم: نزار عبدالله بشير

إنه ليحزنني أن تتهيأ الدول في مثل هذه الأيام لإستشراف عامٍ جديد، فتبلس حُللها الزاهية؛ بينما يتشِّح وطني بالسواد حُزناً وألماً.. !!

وكأني بخليل فرح وزُمرة رفاقه الطيبين مِن لدن شيخنا (محمد أحمد المهدي) وألماظ وعلي عبداللطيف، والمحجوب، دبكة، الأزهري، وودحبوبة ومثلهم من الأبطال يقفون عند مقرن النيلين يتأملون مأسأتنا التي شاهدها العالم أجمع؛ بينما نقف جميعاً مثلهم مكتوفي الأيدي.. !!

أتأهلهم تتخطفهم الفجيعة مِن هول المشاهد، حيث لا هذي البلاد التي مهروها بدمائهم ولا هذه الأجيال التي أورثوها قِيم الثورة والوطنية والحق والنضال، ولا تلك المدينة التي ذاقوا الويلات من أجلها، كأني بهم هناك يبكون لحالنا ويرقون لما صِرنا إليه.. !!

في كل عامٍ وفي مثل هذه الأيام يغتسل مُقرَن النيلين مِن رجس مَا أَلَّم به طوال عام، ويفيضُ مِن طهره على أبناءه الطيبين؛ فيظفرون مُغتسلٌ باردٌ وطهور، ثم يهدي مِن فيضه العميم وجه الأديم، فتبنت الأرض ثماراً طيباً في (سَلَّة غذاء العالم) وتتحقق نبوأة (ود حد الزين) فتراه باسماً حين نردد ” وحتى الطير يجيها جعان، ومِن أطراف تِقيها شِبع.. “
تسعةٌ وستون عاماً مُنذ أن وقَّع الأزهري على وثيقة الاستقلال بدمه بدلاً عن الحبر؛ كما أخبرونا في القصص القديمة عن أنه “حين حانت لحظة التوقيع ولم يجد حبراً في القلم، إختار الأزهري أن يبصم بدمه، فجرح إصبعه حتى سال الدم؛ فبصم به”..

تسعةٌ وستون عاماً قدمت هذه البلاد فيها خِيرة أبناءها من الأبطال والعلماء، فأفاضت على من حولها من الدول، فوهبت بعض بنيها لهم؛ وكأنها تُخلِّد عادة البيوت السودانية الراسخة بأن تمنح الأخت إبنها لشقيقتها التي لم يهبها الله إبناً، ويمنح الأخ أخاه شقيقه الذي لم يتفضل الله عليه بالأبناء بأحد أبناءه.

على أعتاب عيد الاستقلال في بلادي صورٌ مفزعة لبلادٍ تتلهف حيرى لتلقط أبناءها من أراضي اللجوء وإهمال النزوح، تحاول مسح دموع النساء اللائي تقطعت بهن السُبل فإفترشنا الطرقات لا مأوى ولا طعام.

أتصور العازة جزعى وهي تهرول يمنة ويسره تتلف لعناق بنيها الذين تشتتوا؛ فما عادت أرض النيلين حضنهم، وما عادت سماء السودان مأواهم، تحاول إطعام صغارها، وتجفيف دموع كبارهم، وتساوي، ولكنها وحدها وهم كثرُ، كيف تحمل يدان نهرٌ دافقٌ وقلوبٌ متفلتة إمتلأت بمشاعر البُغض والحسد والغِل..
سبعة عقودٍ ولم نتعلم معنى الحب لهذه البلاد، لم نكن أبناءاً بررة لأمٍ أنجبت، ربَّت وبَرَّت ومَنحت هوية؛ فلم تجد سوى العقوق جزاءاً، أعوام كأنها حُلم وكأننا استيقظنا مِن سُباتٍ عميق فوجدنا أنفسنا في إمتحانٍ عظيم.. !!

يَعَزُّ عليّ أن أرى البُلدان تتهيأ لإستقبال عامها الجديد، وتزيِّن أبناءها مِن جمالها، وأرى بلادي في يوم عيدها الأوسم وعامها الأمجد تغرق في الدماء، ونحن بينها كالذين دخلو (المارستان) وما زالوا في نزاعهم بين الوعي والجنون.. !!

على أعتاب عيدٍ جديدٍ لبلادي، مرَت علينا أيامٌ عِجاف، شاهد فيها أبناء الأم الواحدة يختلفون، يتقاتلون يتفرقون؛ فتازعوا فذهب ريحهم، أيامٌ أبكينا فيها العازة، وأحزنا الخليل، ومضينا نحو المجهول..

كل عام وبلادي مُضمضة الجراح
وأبناءها بخير
نزار عبدالله بشير
31 ديسبمر 2024

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.