مشاهد استقبال النازحين في القضارف، مثلت صفحات متباينة الألوان، غير أنها تشربت جميعها بمعنى الأسى، ونضحت بالحزن، فالمقام بكل مكان تجمع فيه النازحون مقام صبر و فجيعة و حمد.
أما المستقبلون الذين خفوا إلى إخوتهم و أولئك الذين يتقاطرون حاملين ما استطاعوا من الزاد فهم الأوفر حزنا.
إن رؤية عشرات الأسر النازحة جراء القتال في ولاية سنار و هم يتجمعون في السوق الشعبي و مدخل مدينة القضارف، و داخل و خارج و حول منازل مستضيفيهم من المواطنين لهو اختبار نادر لأقصى قدرات التحمل لدى الإنسان و هو يعايش ما يمكن أن يلحقه الإنسان بأخيه الإنسان من ظلم و امتهان، دونما ذنب أو جريرة.
ولاية القضارف التي كانت وجهة لنزوحين كبيرين جراء الحرب، تفنى طاقتها منذ السبت الماضي في استقبال أفواج من المتاثرين بالعمليات العسكرية في نواحي سنار، بكل ما يحملون من آثار نفسية قاسية، و واقع إنساني أكثر قسوة، و قلوب ما جانبها الرجاء، بقدر ما خذلتها مآلات الأحوال.
تفاعل السودانيين في القضارف و مدنها و قراها مع هذه المحنة، و تجاوبهم العفوي، و تنظيمهم للمبادرات الداعمة للنازحين رغم ضيق الحال لم يكن مستغربا، غير أن مأساة النزوح هذه تجعل للحجر قلبا ينبض بالعطف، و للقمة الواحدة أقسام و أجزاء بعدد الأفواه على امتداد مساحة معاناة السودانيين.
هذه الحرب التي فرضت على السودانيين الأبرياء و لم تترك في بلادهم شبرا لم تضع بصمتها فيه، تمثل بديلا موضوعيا لغياب روح التوافق و جعل الوطن و أمنه و حقوق أهله في خانة المحرمات، و مع ذلك فليس هناك مبرر يجعل هذه الأسر بأطفالها وشيوخها و مرضاها تجبر على الرحيل عن ديارها و بهذه الصورة المأساوية.
على مدى زمان طويل، ستسيطر هذه الحرب و فصولها و مآلاتها على الواقع الاجتماعي في السودان، لما مثلته من هزة تأذى منها الجماد قبل الأحياء، و طعنت في اللب كل ذي ضمير صاح.
المزيد من المشاركات