أحدنا الآخر
نزار عبدالله بشير
” قال ليّ المحبوبُ لما زرته
مَنْ بالبابِ قُلتُ بالبابِ أنا
قال ليّ أخطأتَ تعريف الهوى
حينَ ما فرَّقت فيه بيننا
ومضى عامٌ فلما جئته..
أطرقتُ الباب عليه موهنا..
قال لي من أنت قلت أنظر فما
ثَم إلا أنتَ بالباب هُنا
قال ليّ أحسنتَ تعريف الهوى
وعرَّفت الحُب فأدخل يا أنا..“
(السعدي الشيرازي)
كما يتحسس مصابوا الوسواس القهري أشياؤهم مرتين و ثلاثة، أتحسسك في قلبي كشئ أخشى أن يذهب و لا يعود أبداً…
في حالةِ قلقٍ دائم، لا أدري منذ متى و لكني أخشى فقدان هذا القلق، أحبه بكل عذاباته المميتة فهو علامة على وجودك و بقائك هناك في زوايةٍ مِن زوايا الروح..
أحياناً كثيراً أتساءل، ما الذي يجعل ملامحَ شخصٍ واحد في هذا العالم الممتلئ عن آخره بالوجوه تسكن قلبك؟ لماذا هذا الوجه بالذات سكنك دون بقية الملامح التي قابلتها؟ الأمر لا يحتاج لإجابة؛ لأنك لا تملك الإجابة الصحيحة، مهما حاولت و إجتهدت في التفسير تظل كلها كلمات تدور حول الجواب أما الحقيقة؛ فأنت ذاتك لا تعرف لماذا هذا الوجه دون كل العالم إخترت أن يسكنك طوعاً أو ربما لا حول لك في الأمر..
التساؤلات لا تجدي، و كلها محض خرافات تنتهي وقت اللقاء؛ الفرصة سانحة لترتوي من فيض الملامح الملائكية، لتسرق لغدِك تذكار تعزي به الروح ساعات الغياب المتوقعة، فتهيم على وجهك هائماً بقية الليالي تفكِّر و تحلل، ترسم و تخطط و ترصف الكلمات و تحشو قلبك بالتعابير التي تتبخر عند أول نظرة في اللقاء..
ها أنا فارغ من كل شئ إلا صورتك و أن تتبسمين، تفاصيل وجهك أحفظها كطفلٍ تَعَلّم للتو (سورة الفاتحة) فصارت حديث نفسه جيئةً و ذهابا، تتفنن ذاكرتِي الخَربة في إستعراضك لي و أن تتبسمين و كأنها مشهد سينمائي،فتارة تعرضك في لقطة كاملة، و تارةً لقطة متوسطة الحجم و مرة بالعرض البطئ و تضيف لها تأثير اللون الأبيض و الأسود.
ذاكرتي…!!؟؟
ذاكرتي التي لا تكاد تحتفظ بشئ؛ تآمرت معك، و طبعت تقاطيع وجهك بل نحتتها في زواية ما من الروح، و ما إن تَحِل لحظة صفاء إلا و إستغلتها لتعيدك لها بطريقة تشبه عرض الإعلانات المُشوِّقة على شاشات التلفاز ثم تخفيك في مكانٍ إجتهدت كثيراً في أن أصل إليه، بعدها يبدأ قلبي في الركض، ركض لا نهائي يبتعه لهث و رهقٌ لا ينتهي مع شعورٍ لذيذ لا وصف له، شئ أشبه بحاجتك لأن تعانق غيمة في الفضاء..
يبدو أن فراشة قد حطّت على فمك و نسيت أن تطير…
يبدو أن الربيع قد زار منزلكم بالأمس فنسى أن يرحل عنه..
أظن أن الورد فاته أن يرحل مِن على خديك، فطاب له المقام..
أعتقد أن الورد نسي أن يحمل عطره، فأقام فيك العطر حفلاً مبتهجاً بحظه العظيم..
يبدو أن قلبي قد نسي أن له ضلوعٍ تحتويه، فسافر لعندك و ضيّع عمداً طريق العودةِ إلي..
ها أنا ذا إذاً فارغٌ من كل شئ، عدا ملامحك التي إجتاحتني، لا أملك سوى أن أنتظر الصدفة أن تسوق صوتك مرة، فأهرع متلهفاً أحتضن نبراتك من الفضاء قبل أن تتفرق الذبذبات في الفضاء، أن أستجدي الذاكرة لتجود عليّ بطيفك و لو كان عابراً يحيّ ما جَفَّ في جوانب روحي لينبض فيها الحب من جديد، و تزهر حتى أشُك أنها لن تذبل ثانية..
هي حِيلة العاجز إذن أن يتمنى…
فليت اللغة تتمدد لتصل لوصفٍ واحد يوازي احتشاد شعوري في حضورك، أن يصل لأقاصي المعاني فيدرك حقيقة أن تمسك بضوء يومض في لحظة عبث طفولي، أن تهديني اللغة مفردة واحدة توصل لك هذا الشعور..
فقط مفردة واحدة من بين معاجم اللغة تصف المهرجان الذي يقام في داخلي، إذا هتف صوتك باسمي..
فقط وصف واحد صادق لما يحدث بداخلي، كلمات توازي حجم الشعور..
فقط لو تنطقين اسمي مجدداً ..
الأمر بسيط..
هيا انطقيه الآن.. و لكن على طريقتك…
(نزار عبدالله بشير / فبراير 2021)