شبكة الراهن الاخبارية

و ما الحرب إلا ما نرى

في مفهوم الحرب، إنها أداة لكسر الإرادة، فكل طرف يسعى لتحقيق هذا المسعى، و ليت الإرادات السياسية تكسر فقط بالحرب، لكن في سبيل كسر الإرادات السياسية لا بد أن تمحو يد الحرب المدمرة كل ما يسند تلك الإرادة السياسية، حتى تتهاوى.
حتى يتهاوى المشروع النازي بواسطة الحرب العالمية الأخيرة، – و هو المشروع الذي تكالبت عليه الأمم في شرق الأرض و غربها – كان لا بد من أن يرى الناس أفواج الدبابات السوفيتية تقف على أنقاض القيادة الألمانية.
ما بين القذيفة الأولى للحرب في “دانزك”، و توقيع اتفاقية استسلام ألمانيا، كانت حرب كسر الإرادات السياسية قد قضت على ٤٠ مليون مدني، و ٢٠ مليون جندي، هم أيضا لو لا تلك الحرب لكانوا ضمن الفلاحين أو عمال المصانع.
معني بهذا السرد من تأمل حال الحرب و دوافعها و أزمانها، فهذه العبوس لا تنجب إلا ما رأت الإنسانية طوال تاريخها المديد، و لا ينقشع غبارها إلا و هو فاضح وجها غاية في الدمامة.
نعم تكون الحرب مقدسة حينما يدافع خلالها الناس عن أوطانهم و ذواتهم و أموالهم، و لكن كم من الحروب تدثر برداء الشرعية و القدسية، و بدنه متسخ بأدران الاستعمار أو الطمع في السلطة أو الدوافع العمياء كالعنصرية البغيضة.
كم من حرب مالها من الشرعية نصيب أخذت ما أخذت من الأرواح، و دمرت ما دمرت من قيم مادية و أخلاقية، و انجلت غبرتها لتكشف عن سوءة ما لها من مرد و ما لسترها من سبيل.
حينما ينادي منادي الحرب يتحسس الناس دوافعهم الشخصية، و لهذا فقد هذب الإسلام الحنيف تلك الدوافع، بل أسمى الحرب الشرعية “جهادا”، هذه العموميات لا يختلف حولها مختلفان، لكن خصوصية حالة ما في عالمنا الذي يغلي تخلط ما لا يختلط، فنرى الجميع يحيكون رداء الشرعية لقبيحات الحروب، الكل يرفع صوته بالتكبير و التهليل، و يعلن أنه بجانب الحق، وبين هذا و ذاك تضيع الحقوق؛ حق الناس في الحياة، و حقهم في التعليم، وحقهم في العيش بسلام، و ما أكثر الحقوق حين نعدها و هي غرقى في خضم الحرب.
أيمكن لهدف كسر إرادة سياسية ما أن يأخذ كل الحياة؟، كل منا يمكن أن يجيب بمقدار ما حاق به و بأهله و وطنه، لكن هناك من لا يستطيعون الإجابة، لأنهم ليسوا في عداد الأحياء، من يستطيعون رعاية بيادر السلام هم الذين تحدثهم أنفسهم : ( بأي ذنب قتلت ).

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.