شبكة الراهن الاخبارية

هل سيخلو الأثير يوما من البث الإذاعي؟

كتب : محمد عباس الباشا.

لم يعد جهاز الراديو يتوسط المقاهي الكبيرة، كما لم يعد ذلك الجهاز المحتفى به من جانب رب الأسرة و المحفوظ بمنأى عن متناول يد الأطفال، فقد تغير مفهوم الاستماع خلال العقود الماضية، و تبعا له تغيرت و سائط الاستماع شكلا و محتوى، فهل سيخلو الأثير يوما من البث الأذاعي؟.
يقول المهندس عبد الله محمد علي، المدير الإقليمي لشركة TVU الأمريكية بكاليفورنيا، بأن الموجة المتوسطة و الموجة القصيرة اللتان شكلتا في الماضي قوام البث الإذاعي في طريقهما حثيثا للتوقف، مرجعا ذلك لأسباب متعددة يقف في مقدمتها المستقبل نفسه، حيث كانت تلك الموجات تمثل في الماضي إرسالا أرضيا Ground Transmission يتم عن طريق أجهزة الإرسال الأرضية، و هو ما كان يتطلب نوعا معينا من أجهزة الإستقبال، و هي أجهزة الراديو بأشكالها المختلفة، و التي تواجدت بالمنازل منفردة أو مدمجة مع أجهزة أخرى كالمسجل أو التلفاز.


يقول المهندس عبد الله محمد علي الذي عمل في مجال هندسة الإرسال الإذاعي و الأستديوهات لأكثر من ٢٠ عاما، إن أجهزة الراديو لم تعد موجودة بسبب تغير سلوك الاستماع، حيث كان جهاز الراديو يوضع في مكان معين من المنزل، و يستمع له الجميع، و هو ما لا يحدث الآن.
لقد اختفى ذلك الشكل من أشكال الحياة بسبب أن الأفراد باتوا أكثر حركة عنها في السابق، صحيح أنه في مرحلة من المراحل بدأت الشركات في تلبية تلك الحاجة بتوفير جهاز استقبال متحرك ألحقته بالسيارة، و لكن لم يعد ذلك مهما لاعتبار أن الشخص لا يقود سيارته على مدى ساعات اليوم، إلا أن وجود جهاز ال FM بالسيارة أطال عمر الراديو.
يقول المهندس عبد الله محمد علي إن ال FM عبارة عن أجهزة إرسال ذات نطاق محدود لا يتعدى دائرة نصف قطرها ٥٠ كيلو مترا، على عكس الموجات المتوسطة و القصيرة ذات الإرسال الذي يصل إلى آلاف الكيلو مترات، في مرحلة أخرى انتقل الراديو FM ليكون مدمجا في الهاتف السيار قبل أن يختفي في بعض إصدارات الهواتف السيارة الجديدة.
يضيف المهندس عبد الله بأن الموجات المتوسطة و القصيرة كانت أكثر تكلفة من حيث اصيانة و تشغيل أجهزة الإرسال، على عكس التكلفة التي يتطلبها إنشاء و تشغيل و صيانة مرسل FM، إلا أن تقنيات أخرى تم استحداثها دحرجت راديو ال FM عن الساحة، و دلل المهندس عبد الله على ذلك بأن استماع الشخص للراديو من خلال الهاتف أضحى أمرا نادرا، فقد ظهرت التطبيقات و إذاعة الإنترنت، و هو مجال متسع.
يؤكد المهندس عبد الله أن صناعة الراديو لم تعد تحظى بالقبول الذي طالما انفردت به في أول عهدها، كانت ميزة الراديو في يوم من الأيام أنه سهل الاستماع و الحمل و الاستخدام في كل مكان، أما الآن فلم يعد الناس يتجمعون للاستماع للراديو حتى في نطاق الاستماع للراديو، ناهيك عن تجمعهم في القرى و المدن في حلقة حول جهاز الراديو.


يقول المهندس عبد الله إن الجمهور لجأ الآن للأجهزة اللوحية و ما توفره من خيارات أكثر جذبا و تأثيرا، و لم تعد ال FM إحدى الأولويات، لم يعد المستقبل موجودا في الوقت الحالي، لقد انهارت منظومة مرسلات و مستقبلات الذبذبات، و تراجع البث الأرضي الذي يمكن يمكن استقباله إلى الحد الأدنى، و انهزمت المنظومة و ما عادت مفيدة بسبب انفضاض الجمهور.
أما بالنسبة للترددات الأخرى غير الإذاعية يقول المهندس عبد الله محمد علي إن هناك نطاقات ترددية ما زالت مستخدمة في الاتصلات، سواء كانت في مجالات الملاحة البحرية، أو الأجهزة الأمنية، أو الملاحة الجوية، أو الشركات، و هي نطاقات ترددية محجوزة من قبل هيئة تنظيم الاتصالات العالمية ITU ، و التي تعمل على تنظيم الاتصالات في العالم، و تكتسب هذه الهيئة أهميتها من كون قدرة الترددات على اجتياز مسافات بحجم دول بكاملها، ناهيك عن الدول صغيرة المساحة و التي يمكن أن تتداخل فيها الترددات بشكل كبير، و تقوم الهيئة بتحديد نطاق الترددات الذي يمكن استخدامه في كل دولة بحيث لا يحدث تداخلا في دولة أخرى، كما تقوم لجان داخلية في الدول بتنظيم الاتصالات داخل الدولة المعينة بالتنسيق مع هيئة تنظيم الاتصالات العالمية تجنبا للتداخل بين الترددات، و يسمح لهيئات تنظيم الاتصالات المحلية بتوزيع ترددات معينة بما تراه فرقها الهندسية مناسبا، و من أنواع تلك الترددات ترددات البث الأرضي التلفزيوني و ترددات بث محطات ال FM.
مثلما أوجدت الهندسة جهاز الراديو و أحدثت فيه نقلات كبيرة و فارقة، ها هي توجه من جديد سلوك التلقي لدى الجمهور، فهل سيظل التلقي سلوكا بشريا قائما بذاته في المستقبل؟ أم سيكون بعضا من تاريخ البشرية العريض؟.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.