شبكة الراهن الاخبارية

اتكاءات العصاري

إلى عهد قريب كان الكثيرون حول العالم يديرون مؤشر الراديو عندما يبدأ المذيع تقديم أخبار الطقس و المناخ، أو ينشغلون عن التلفاز حينما يحين موعد تلك الأخبار التي لم تكن داخل دائرة اهتماماتهم؛ ذلك قبل أن يدخل عليها البرامجيون “لغة أدبية” بددت شيئا من صرامتها العلمية، أو عباراتها المكررة.

عندما كانت الكلمات التي تصف حالة الطقس جامدة رتيبة، كان مبدعون سودانيون يصورون بها أحوال بلادهم، قبل أن تصاب بما أصابها من أذى.
فوق جناح غيمة بشاير، سافر الشاعر و الباحث و مقدم البرامج الراحل عمر بشير عبر رائعته التي خلدها الخالدي قبل أن يلبسها الملحن الراحل سليمان أبو داؤود لحنها الزاهي، سافر مصورا هداة الليل في الصحاري، و روعة النيل في العصاري، و غيمة تمرح فوق رحاب فاصل مداري، و كانت تلك الغيمة، شايله طيف نسمة تباشير الخريف لي بلاد جفت حقوله.

لم تبد المفردات مقحمة إقحاما، فقد أذابها الشاعر في النص الشعري حتى لا تكاد تلحظ إلا لمن تعمد؛ و ذاك ما يربط الناس ببيئاتهم قبل أن يضج العالم بقضايا البيئة و التغير المناخي بعقود.

و مما يدعم الوعي المبكر بالبيئة و المناخ لدى السودانيين ما ذهب إليه الشاعر مختار دفع الله في رائعته “حروف للفراشة”، و هي الأغنية التي يقول مطلعها:
يا شجر بلدي و بيوتها
و يا ربيع ما هان عليهو
يمر بساحاتنا و يفوتها.
تلك الأغنية التي استطاع الفنان الكبير صلاح مصطفى أن يلونها بلحنه و صوته البديعين بألوان أكملت الصورة المعبرة عن السودانيين في ربيع أيامهم و جميل مواسمهم.
يا ربيع في عمري باسم
و يا فرح كل المواسم
و يا العيونك لما أرحل
ببقو لي أجمل عواصم
يا أماسينا الحبيبة
أمنيات صبحت قريبة
و يا مطر ساقي المرابيع الجديبة.
في حشد بديع لمفردات تصور امتزاج الناس ببيئتهم.
و اتكاءات العصاري
و نزعة الشوق في القماري
و الخضار الدابو فرهد
و شره في كل الصحاري
و الشمس لامن تقيف
بي عزة في الفاصل المداري.

الأغنيتان بما فيهما من روعة التصوير إلا أنهما حملتا مفردات بعيدة عن القاموس الغنائي؛ فالأولى الموسومة ب “جيت مهاجر” خرجت عن المألوف بمفردة و خيال طواف إلى عوالم أرحب، و وسعت أكثر مما قد تحمله أغنية عاطفية.

أما رائعة مختار، فهي تجسد معنى الوطن الحبيبة، في تفاعل ناعم مع تفاصيل أنيقة، رائعة التكوين و الأجواء، عندما كان كل شيئ ينضح بالإلهام.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.