أحمد يوسف دياب
كثيرة هي الأغاني التي يتخللها ذكر القطار في ثنايا النص الغنائي، ويرتبط ذلك الشعور بذاكرة الشاعر السوداني الذي يعاني البعد عن الأهل والأحبة. لذلك كان القطار حاضرا دائما في خيال الشاعر في اليقظة والأحلام. فقال أحدهم، معاتبا القطار: “القطار دور جديدو، مني شال زولي البريدو”.
وقال محمد عوض الكريم القرشي في رائعة عثمان الشفيع: “القطار المرا فيهو مرا حبيبي بالعلي مامرا ونلت مقصودي”. ورائعة البلابل: “قطار الشوق متين ترحل تودينا نزور بلدا حنان أهلها ترسي هناك وترسينا”.
وبكل هذا الترجي والشجن المفعم بالحنين، يمتلك القطار حيزا كبيرا في وجدان السودانيين، لأنه يمثل أيقونة التواصل، وعبر الولايات الوجدانية التي تربط بجميع المحطات داخل الوطن الحبيب. وعبر عن ذلك الشعور بصدق وجمال ودقة في التصوير الشاعر ود القرشي حين قال: “الأشرجي تراهو لي الإشارة أداهو، وقف السنفور لي مروره براهو”.
تلك هي تراجيديا وصورة حية للقطار، تغنى الراحل المقيم مصطفى سيد أحمد في تراجيديا القدر والإنسان، وسراع القوي والضعيف لتراجيديا الموت المنهجي لعبد الرحيم الإنسان البسيط الذي حمل وصايا وأشواق وطموحات أهل القرية. في تسريحة سفر ماشي الديش نفر، والبال اشتعل.
وبتلك التصاوير غير المتناهية يتخللها القطار في دور القدر ويتصارع مع الصبر الذي يمثله عبد الرحيم. وتراجيديا الخير والشر التي تتجسد في الصورة الذهنية التي كونها الشعراء سواء إيجابية أم سلبية عن القطار. كما قال ود القرشي: “يا قطار تدشدش يا الشلتا محبوبي”، هذا الإحساس يمثل صورة ذهنية سالبة للقطار، وهنا ود القرشي يجرد القطار ويجعله عديم الفائدة بالنسبة له لأنه شال المحبوب، لذلك دعا عليه أن يتحطم.
وتأتي تراجيديا الصورة للقطار في صورة عنصرين وهما الخير والشر. الخير الذي يأتي متمثلا في عم عبد الرحيم البسيط، والشر ممثلا في القطار الذي يجوب الدنيا طولا وعرضا. وما بين الصورة الذهنية للقطار في شعور الفنان تشتغل المعركة في الخيالي الشعري إيجابا وسالبا، ينعكس ذلك صورة مرئية في المناخ المدرسي في المنهج التعليمي آنذاك في قطعة المطالعة في الصف الأول في قصة سهام وإلهام، تلك الصغيرتين كانتا بداخل القطار الذي يسير من حلفا إلى نمولي بجنوب السودان حاليا.
هي تراجيديا وصورة ذهنية للقطار، تعكس عمق المشاعر والأحاسيس التي يحملها السودانيون تجاه هذا الوسيلة التي كانت تمثل لهم التواصل والأمل في لقاء الأحبة.