نزار عبدالله بشير
” الموتُ يعني أن تُغلق كل النوافذ التي يدخل منها الفرح دفعةً واحدة، الموت يعني حُزناً عاصفاً يحجب الضوء و الهواء عن رئتينا فنختنق…“
- أسامة الشيخ إدريس
ككل الذين وقفوا عاجزين عن التعبير في لحظةٍ من لحظات حياتهم أصابني الإعياء و الفتور الذي يُصيب الكُتّاب فمرت أشهر عديدة لم يلامس فيها قلمي سطح الورق، أشهرٌ عِجاف مَرّت ثقيلةً عن النفس و الروح، حاولنا فيها أن نتمسك بذاتنا التي تتهاوى كمركب شراعي في بحرٍ عاصف، كدنا نتمزق، و إمتلأنا بالكلام حتى حلوقنا و لكننا فقدنا القدرة على التعبير…
هي سُنة الحياة، و ناموس الكون الذي يسري على الجميع، فتقلبات الحياة تصيب الجميع لا أحد يَسلم منها، و لكنها تمضي برحمة الله كما مضت غيرها من الأيام؛ بيد أنها أيام كانت عصيبة على الجميع و تحتاج فيها لأن يقف الأحبة بجوار أحبابهم يواسون و يؤانسون و يمسحون الدمعات إن سحَّت في لحظة ضعفٍ أو إيمان قليل، بيد أن الكُل كان ينتظر، الكلُ يريد، و المُحصلة الجميع يرى أن لا أحد أحق بالوقوف بجانبه؛ لأنه لم يجد أحد بجانبه لم يسلم سوى اليسير الذين إتخذوا من إيمانهم بالله ثم خبراتهم في الحياة زورقاً يغالبون به شِدة الموج و أبحروا ضد التيار….
ربما سقطنا سهواً أو عمداً من ذاكرة أحدهم، و ربما تساقطنا من علو أحلامنا الشاهقة التي ظللنا نسعى وراءها منذ أن وعينا على وجه هذه البسيطة؛ فنهضنا متثاقلين ننفض التراب عن جبيننا الذي لا نسجد به سوى لله، ربما أصابنا بعض الجروح و الندوب و لكننا على كل حال نهضنا، ربما أسقطنا سهواً أو إهمالاً بعض الذين لا يليق بهم ذلك و لكننا – غفر الله لنا – لم يكن لنا في الأمر حِيلة، و الذين أسقطناهم أو أسقطونا نقول لهم :
” ربما نلتقي مجدداً “
- May be meet again.
هذه الجملة التي ترددت و تتردد كثيراً في مسلسل ( The 100) بصورة ملفتة، كانت تستخدم بصورة فلسفية واضحة للتعبير عن فراقٍ ما، أبدي أو ربما فيه عودة و لو بعد حين، كانوا إذا أرادو أن يخوضوا حرباً ودعوا بعضهم بعضاً بالعبارة تلك. - May be meet again
ثم يكررونها بإيمان عميق و عاطفة جياشة، أو إذا أرادو أن يودعوا ميتاً عندهم قالوها في خشوع، و لو أنني فكرت كثيراً فيها ربما نحن أولى بهم منها، و ذلك أننا نؤمن بالبعث من جديد في يوم الخلود الأبدي ( يوم القيامة) حيث إما الجنة أو النار لذلك – قد نلتقي مجدداً في الجنة إن شاء الله… أو ربما هي الترجمة المعنوية العاطفية لعبارتنا العميقة في المواساة : - إنا لله و إنا إليه راجعون.
هذا ليس مهماً؛ فهذا كله دار في رأسي و الكثير من الأفكار و المشاعر المتضاربة التي كانت تزدحم في قلبي و لا أجد لها مزاجاً و لا مقدرةً على التعبير في ذلك الوقت، فكان كلما تساقط عزيزٌ عليّ بهفوة أو فجر في الخصومة أو الجفاء رددت بيني و بين نفسي… - لعلنا نلتقي مجدداً…
و ما زالت هذه العبارة صالحة للإستخدام لنقولها بيننا و بين أنفسنا، نُعزي بها أرواحنا في كل مَن قرر الجفاء أو الإبتعاد أو حتى ضاقت به الحياة فقرر الهجرة فلتصاحبه دعواتنا … و نكرر .. - لعلنا نلتقي مجدداً…
في هذه الفترة ذاتها حدثت الكثير من الأشياء الجيدة و غير الجيدة على حدٍ سواء، و كلاها كان درساً حياتياً عظيماً؛ تعلمنا منه ما لم نكن لنتعلمه لعشرات السنوات القادمة، و نحن نحاول أن نصل لتلك الأمنيات العنيدة نمضي في طريقة فنتعثر و نسقط؛ ثم ننهض مجدداً محاولين الوصول حتى وقعت على كلمات (الحِبيّب) في عابرة (39) و هو يقول على صوت محمد النصري :
« أحلامنا في دار الشقاء…
لو ما قدرنا نحققها…
أو عَزّ بيناتنا اللقاء…
نتلاقى في عالي الجِنان »