شبكة الراهن الاخبارية

سيدات القلب و المكان

سيدات القلب و المكان

     *نزار عبدالله بشير*

” يُصبح العالم رمادياً حين تصمتين، و يزهر على إيقاع ضحكتك “


على إيقاع الزمن الهادئ حيث يسير كل شئٍ وفق مراد القلب و الروح؛ تطل سيدةً ترتدي البنفسج لتمحو بملامحها الوضيئة كل ما علِق بالروح من آثار الزمن القاسي، تغسل القلب برفقٍ و كأنها تحمل بين أيديها إناءٍ زجاجي تخشى أن تصيبه الخدوش أو ربما خانتها قوتها ( الأنثوية) ففلت من يديها و إنكسر…
تهدهد الروح قبل الجسد، تسكِّن الآلام قبل المضادات الحيوية، لمستها تشفي دون عقاقير، ساحرة في كل شئ، نبرة صوتها، نظرة عينيها لمسة يدها، ملائكية القسمات كأنها ” رضعت على كف القمر“ إن إحتجتها آماناً وجدتها، و إن أردتها ملاذاً كانت الخيار، و إن طلبتها سكناً أسكنتك، و إن أردتها دواءاً كانت لك العيادة و الدواء…
أنثى تحملك قبل خروجك للحياة؛ و تهديك الحياة على طبقٍ من ذهب، تقسم لك روحها حتى تشيخ، و تفضلك على نفسها، و إن بلغت من العمر عتيّا فأنت لم تزَل في عينيها طفلاً يحبو، تخبئ لك الأفراح من بين ثيابها، شريكةً تقاسمك الحياة فرحاً و حزناً، و تهديك ذاتك مرةً آخرى على هيئةِ صغارٍ ستفضلهم على نفسك في لحظة ما؛ و كأنك ستولد مرتين من أنثيين مختلفتين، فأنت بين حِن الأولى المستديم و عطف الثانية المقيم، و رحمة ثالثة تغزل شعرك الأشيب بأناملها الصغيرة متحديةً أفخم مصانع العالم بأن تنتج مِشطاً بتلك النعومة، تزيل التعب عن أرجلك، تنام على صدرك، تمسح دموعك حين تغلبك، و تطبع قُبلةً على خدِك، فتغلبك في كل مرة.
ذات مرةٍ و أنا أقرأ في مذكرات ملالا يوسفزاي الطفلة الباكستانية التي نالت جائزة نوبل للسلام و هي تحكي حادثتها التي تعرضت فيها للإغتيال عندما أطلقوا عليها الرصاص قائلة:
” في ذلك اليوم ماتت كل مخاوفي “ فعلّقتُ ضاحكاً:
” أرادوا قتلها فقتلوا مخاوفها“ لم تمر عليّ كل تلك المشاهد مروراً عابراً و لا غيرها من الأحداث التي شاهدت بعيني، كم أضاف لها عقلي التساؤلات، و كم خفق قلبي بنبل التصرف و كرم العطاء منهن، سيدات كبيرات و صغيرات، أولئك اللائي ما إدخرن محبةً إلا و منحنها للعالم، كنت أتصور لو أن قلوب النساء كانت تشِّع محبةً كالنووي لأقام هذا العالم سلاماً إلى أبد الآبدين، و لنبتت علي أفواه البنادق الرياحين، آثرهن لا يزول رغم خفته، مكانهن فارغاً إلى أن يحضرن، لم تستطع أي فيزياءٍ أن تفسر ذلك القانون المتناقض، كيف لكل تلك الخِفة في الحضور أن تشكّل فارقاً هكذا في الغياب، ظللنا على مدى الأزمان طاقات حُبٍ متدفقة تحنو على الغريب و القريب، تمنح دون منع، و تعطي دون توقف فأصبحن سيدات القلب و المكان.

  • جمهورية جيبوتي
  • ٣ مارس ٢٠٢٢
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.