بالرغم من أن قطاع الإعلام السوداني ظل يعاني منذ سنوات خلت من ضعف التمويل و الإنتاج، إلا أن الحرب الدائرة في السودان و منذ يومها الأول قضت على كل مؤسسات الإعلام التي كانت تتخذ من العاصمة الخرطوم مقارا لها، ذلك قبل أن يستجمع بعض تلك المؤسسات قواه و يبدأ من جديد رحلة العودة.
في مثل هذه الأيام من كل عام تتنافس و سائل الإعلام الجماهيرية في استعراض ما أعدت من برامج و فقرات لتقدمها لجمهور المشاهدين و جمهور المستمعين في شهر رمضان.
يقول “عمر محي الدين” أحد الذين درجوا على تقديم برامج اتسمت بالتجديد و الابتكار في شهر رمضان، و يقيم حاليا بالمملكة العربية السعودية: “رمضان من أكثر شهور السنة استماعا و متابعة، و لهذا يحظي بالقدر الكبير من اهتمام إدارات الأجهزة الإعلامية، و الزملاء في الإذاعات العامة و الخاصة و الفضائيات، إلا أننا نفتقد هذا العام تلك الأجواء من التحضير و الانتاج التي كنا نستمتع بها في الأعوام السابقة”.
يضيف عمر :” كاد يمضي العام على اندلاع الحرب، و غالب أجهزة الإعلام فقدت صوتها و صورتها بفقدها مقارها و أجهزتها إما بفعل الحرب أو التدمير، إلا أن الأمل قائم و كبير بأن نستطيع في مقبل الأيام أن نستعيد تلك الأيام الطيبة، و نعود لخدمة مستمعينا بمستوى أفضل مما كان عليه الحال”.
“ريم عبد الجليل” مذيعة سودانية و مقدمة للبرامج تروي عن استقبالها رمضان هذا العام بالقول : “ما كان أول أيام رمضان يحل إلا و كنا قد أعددنا خريطة برامجية خاصة، تحوي باقة من البرامج التي يتنافس الزملاء في إعدادها”.
و تضيف “ريم” اليوم و قد تضررت كل نواحي حياتنا بفعل الحرب، و اضطررنا للمغادرة بهذه الصورة المحزنة ننظر للإعلام السوداني و هو الأكثر تحملا للخسائر التي طالت المؤسسات المختلفة بل و الأرواح، و ندعو كإعلاميين أن تنتبه لذلك المنظمات و الجهات التي ستعمل على إعمار ما دمرته الحرب، فالإعلام السوداني بما يتمتع به من كفاية و قدرة سيكون له الأثر الفاعل و القوي في رتق ماحاق بالمجتمع من فتوق و جراح بسبب الحرب”.
“أثرت الحرب على الإعلاميين السودانيين بشكل بالغ، حتى أن البعض فقدوا أرواحهم”، بهذه الكلمات ابتدر “أبوبكر السماني”، المذيع بالقنوات الفضائية و محطات الإذاعة السودانية حديثه، و عدد “أبوبكر” المقيم حاليا بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، مافقده الإعلامي السوداني بسبب الحرب من مسكن و وسيلة حركة، و إحساس بالأمن، ذلك بالإضافة إلى فقد مواقع العمل، من إذاعات محلية و قنوات فضائية و صحف.
“أبوبكر” الذي افتقد اسرته كذلك بسبب النزوح إلى مناطق شتى يضيف:” فقد غالبية الإعلاميين طرق كسب العيش، و لجأوا للدول المجاورة و البعيدة، بالنسبة لي أنا أفتقد عملي بالإذاعة، في مثل هذه الأيام كنا نعد العدة لتقديم البرامج و الفترات المفتوحة، و نهيئ أنفسنا لاستقبال الشهر العظيم، في الإذاعة و القنوات الفضائية، و على الصعيد الاجتماعي كانت تجمعنا وشائج و لقاءات رمضانية طيبة، من خلال الإفطار الجماعي في (حوش الإذاعة)، و المنابر الإعلامية الأخرى و المنتديات و الأمسيات، كل ذلك ذهبت به الحرب ما بين ليلة و ضحاها”.
يقول “أبوبكر” الذي كان يتحدث بحزن يخالطه الأمل: ” ليس هناك أبشع من أن تفارق مكانك و أهلك و بيتك، نعم افتقدنا كل شيئ، ممتلكاتنا و بيوتنا و أعمالنا و أصدقائنا و متابعينا، و لكن كل الذي حل بنا سيكون شيئا من الذكريات، نأمل في توافر الإرادة السياسية القادرة على قمع إرادة الحرب، فالسلام سيعود، لكننا نرجو أن لا يعود بعد أن تكون الحرب قد قضت على كل شي”.
و اقع الإعلام السوداني على أبواب رمضان يؤكد أن هذا القطاع من أكثر القطاعات التي قصمتها الحرب الدائرة في السودان، و لأن السودان بحاجة لصحافييه و أجهزته الإعلامية في هذا الوقت أكثر من غيره، بقي العديد من الإعلاميين يؤدون مهامهم في ظروف بالغة التعقيد، تصل بهم إلى حد المخاطرة، و لكن الغالبية من صحافيي السودان نأت بهم رواحل الظروف، و اتسعت لهم أبواب النزوح و اللجوء ما شاءت لها الحرب من اتساع، فقد أغلقت مقار الصحف و محطات الإذاعة أبوابها بفعل الحرب، أو بسبب أن تلك المقار لم تعد شاخصة الآن.
المزيد من المشاركات