شبكة الراهن الاخبارية

لا تمنحني فقط كتفا أستند عليه، بل روحا تدرك ما بي

نزار عبدالله بشير

” إنني لا أخبر أحداً بكِ، لكنكِ تفيضين من عيني.“

  • كافكا

أظن أن غاية الحب في الحياة هو أن (يبدد وحشة الإنسان) أن يزيل عنه شعور الوحدة والغربة، ويملأه بالأُنس الذي يسقي روحه بالسعادة فتنبت في ربوع أيامه أزاهير الحياة وتشرق الشمس في قلبه دون أفول.
وأهم ما في الحُب هو الشعور بالآخر دون الحاجة للتعبير؛ شئٌ يشبه تلاقي الأرواح؛ أن تتخاطر الروحان فيهمان بذات الشئ في ذات التوقيت، تلك الوخزة التي تشعر بها الأم في قلبها حين يلم مكروهٍ بأحد أبناءها وبينهم ملايين الكيلومترات، أن تقرأ في وجه محبوبك الشكوى والراحة، وأن تستشعر من كفه الحزن والضيق، تخبرك نظراته بالفرحة والمعاناة؛ تقرأه دون أن يضطر للحديث، ذاك هو الحب، راحةٌ بلا آذى، وطمأنينةٌ من غير إستغلال.
تنتقض معاني الحُب حين تذوب تفاصيله بين صغير الأقوال والأفعال؛ فتجد أحدهم يقول كلمةً تدمي قلب محبوبه ولا يبالي بما فعل؛ فيمضي في غيّه معتمداً على أن ما في قلب الآخر تغفر له، فيأتي بالآخرى على صيغةِ فعلٍ أو قول، فتتراكم الآثار فتطفئ نافذة الضوء في قلب المُحِب؛ فينتهي الحب فيتحول بما كسبت يده غريباً..
مشكلتنا في الحياة أننا لا نراعي لأحبتنا ولا لما يشعرون به، نستصغر معاناتهم، ونقلل من أحزانهم، ونحجِّم مشاعرهم، فتبني أفعالنا بيننا وبينهم سدوداً من المخاوف والتوقعات غير المقبولة فينتهي المطاف بنا كالغريبين على الذين لم نتمنى في يوم أن نفارقهم..
ورد في الأثر أن ث مُحمد بن مُناذر. قال:
” كنتُ أمشي مع الخَليل بن أحمد فَأنقطعَ نِعلي،
فمَشيتُ حَافياً، فَخلعَ نِعليه وحَملهَا يَمشِي مَعي ..
فَقلتُ له: مَاذا تَصنعْ؟
فَقال: أوَاسِيكَ فِي الحَفَاء .! “

أحياناً لا يحتاج أحدنا سوى الشعور بالمواساة؛ أن ثمة قلباً يستند عليه، كتفاً يميل إليه، وعِناقاً يحتضنه كلما هزمته الحياة، المواساة شعورٌ عظيم بالآخر، أن تستشعر ألمه وتقاسمه شعوره، وتبذل له دعمك اللا مشروط فتبقى معه في حالته ويبقى معك للأبد.
تقوم الحروب على فكرة حب الذات المَرَضي، والأنانية والرغبة في الإنفراد بالأشياء، ومعاملة الناس على أنهم تبع وينبغي إستخدامهم لتحقيق الأمجاد الشخصية، وينتهي التعامل الإنساني حين يغيب الشعور بالآخر وتسود روح التَشَفي والحسد والإستصغار، أشياء بسيطة قد تشك فارقاً في العلاقة بين الطرفين وفي صورة المجتمعات وتشكيلها، من ذلك قيمة التقدير والشعور بالآخر والتربية السليمة القائمة على إحترام الآخر وتقدير مشاعره.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.